إذا كانت الجغرافية الوعاء الذي يحتوي العلوم كافة, باعتبار أن غايتها الإنسان ومنطلقها الإنسان, فإن هذا لا يعني أن الجغرافي هو العالم بالعلوم كافة, وإنما علمه فيها بالقدر الذي لتلك العلوم من تدخل في الوسط الذي يعيش فيه الإنسان متأثراً ومؤثراً به.
You are here
قراءة كتاب البحث الجغرافـي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

البحث الجغرافـي
الصفحة رقم: 10
3 ـ 2 ـ 2 ـ المنهج الاستنتاجي :(Deductive.M)
الاستنتاج يقابل الاستقراء. وهو انتقال من العام إلى الخاص, ومن المبادئ إلى النتائج. أو بتعبير آخر, هو استنباط ـ أو استخراج ـ نتائج من مقدمات بطريقة قياسية, تجعل صدق النتيجة محتوماً ما دامت المقدمات صادقة, وذلك لأن النتيجة تكون متضمنة في المقدمات, والاستنباط يبرزها(6). ولذا يوصف المنهج الاستنتاجي بأنه منهجٌ استنباطيٌّ.
ففي المنهج الاستنتاجي, يتم التفكير بمشكلة معينة مع استعراض التفرعات النظرية كافة بغية بناء النموذج (Model). أو بمعنى آخر, يبدأ بوضع فرضية عامة ثم يتم السعي لإثبات صحة هذه الفرضية ـ بالبراهين ـ, وبثبوت صحة تلك الفرضية تصبح نظرية يمكن الرجوع إليها في تفسير جميع الظواهر التي تشبه تلك التي أوحت بوضعها. أما إذا ثبت عدم صحة تلك الفرضية فيجب تعديل النموذج والبحث عن براهين جديدة, تمكن من الكشف عن نظرية حقيقية وصحيحة, تخضع لها الظواهر المتشابهة.
ومتى أصبح الفرض نظرية تغيرت وظيفته, إذ يستخدم عندها للكشف عن بعض الحقائق الجديدة أو في تفسير بعض الظواهر التي كنا نجهل أسبابها فيما مضى(7). وهذا المنهج هو منهج العلوم الناضجة, واستخدامه بقي قليلاً نوعاً ما في الجغرافية حتى السبعينات من القرن العشرين, ليتعاظم استخدامه بعد ذلك. ويمكن ذكر أمثلة عنه: السيماء الخاصة بالحت العادي الدافيزي (W.M.Davis,1899) أو نظرية التمركز عند كريستالر (1933) من النماذج الجغرافية البارزة الأهمية.
ففي هذا المنهج, يبدأ الباحث بوضع الفرضيات العامة للنتائج, ثم يأخذ في
جمع التفاصيل التي تنتهي به إلى النتيجة المسبقة نفسها. وبدلاً من التفاصيل كلها يمكن الاستعاضة ببعض الأمثلة. وقد جاءت طريقة دراسة العينات رد فعل للدراسات المليئة بالتعميمات دون دراسة الحالات الخاصة التي نستنتج منها هذه التعميمات.
ولقد ارتأى, أو بمعنى آخر اجتهد آخرون حديثاً منهجاً ثالثاً يجمع المنهجين معاً, ويدعى المنهج الاستقرائي ـ الاستنتاجي (Indective-Deductive.M), وهو المنهج الأفضل للبحث عن الحقائق واستكشاف معلومات جديدة(8). ففي هذا المنهج الذي دعي بالمنهج العلمي (Scientic.M), ينتقل الباحث من مرحلة استقراء الجزيئات ومراقبتها, إلى استخراج المقترحات, واستنباط الحلول التي يتوصل بها إلى نتائج منطقية, وحلول مقبولة.
ويتطلب هذا المنهج البحثي من الباحث مراعاة ما يلي(9):
1 ـ عدم التسليم والقبول لأي شيء ما لم يقم عليه أي دليل أو برهان. والفحص لكل الآراء والأشياء ذات العلاقة بالموضوع أو المشكلة.
2 ـ أن يكون الباحث متجرداً غير متحيز. وأن لا يحاول البرهنة لنتيجة معينة مسبقة في ذهنه, وإنما يبحث عن الحقيقة, وينقل الواقع ولو خالف رأيه.
3 ـ أن يتعامل الباحث دائماً مع الواقع.
4 ـ أن لا يهتم بالأحداث الشاذة, بل يركز على الظواهر المتكررة المتجانسة, لفحصها وبلورتها في إطار واحد للخروج بنظرية يحاول من خلالها إدخال كافة الأمثلة للتوصل إلى قاعدة واحدة تشمل كافة الأمثلة والنماذج.
وهـذا المنهج ليـس خاصاً بـالعلوم التجريبية, وإنــما يــمكن تــطبيقه فـــي مـجال
العلوم الإنسانية.
وهكذا نجد أن رجال البحث العلمي بعد أن أعادوا ترتيب أوراقهم, وعرفوا مفاتيح البحث وخباياه, أدركوا أنه لا طريق يوصلهم إلى الهدف المنشود في بحوثهم في ظل ثورة المعلومات, إلا بانتهاج ما نهجه أولئك الذين تطور العلم على أيديهم مع إضافة ما افترضته التطورات العلمية الحالية؛ فكان قولهم: إن المنهج العلمي المعاصر ليس استقراء فقط, أو استنباط فقط, بل هو مزيج من الاستقراء والاستنباط, ومن الاكتشاف والإبداع(10).
والمنهج العلمي المعاصر, يمر بأربع مراحل رئيسية هي:
1 ـ مرحلة البحث
2 ـ مرحلة الكشف
3 ـ مرحلة البرهان
4 ـ مرحلة النظرية.
وإذا كانت مرحلة البحث تعتمد على الملاحظة والتجربة, فإن مرحلة الكشف تقوم على الفروض العلمية للكشف عن العلاقات بين الظواهر المختلفة. أما البرهان على صحة هذه الفروض أو تلك, فإنه يستخدم المنهج التجريبي الاستقرائي الذي ذكره (بيكون) وطوره (جون ستيوارت مِلْ) في طرقه الشهيرة, وهي: طريقة الاتفاق, وطريقة الاختلاف, وطريقة الجمع بين الاتفاق والاختلاف, وطريقة التغير النسبي, وطريقة البواقي. وحينما تم التأكد من صدق فرض من الفروض, فإن هذا الفرض يصبح قانوناً كلياً (نظرية)(11).