قراءة كتاب خيانة المثقفين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
خيانة المثقفين

خيانة المثقفين

كتاب "خيانة المثقفين ـ النصوص الأخيرة"، يضم نصوصاً غير معروفة، كتبها المفكر والأكاديمي الفلسطيني إدوارد سعيد (1935 ـ 2003م)، في السنوات الأخيرة من حياته، وفيها يناقش دور المثقف في مواجهة الإستبداد والقمع والإنحلال الفكري العربي.

تقييمك:
5
Average: 5 (2 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 8
4- قراءة في خارج المكان:
 
أراد إدوارد سعيد أن يدون مرحلة من سيرته الذاتية، ليس بهدف سرد حوادث شخصية وتسجيل لمحات من حياته فحسب، وإنما لتسجيل فترة تاريخية مهمة من تاريخ المنطقة والعالم (أثارتْ فيّ ظاهرة ما بعد الحرب لأول مرة شعوراً بالتمايز الشديد من حيث التراتب الاجتماعيّ . وكان التبدّل الكبير هو حلول الأميركيين المنتصرين محلَّ البريطانيين ، مؤسساتٍ وأفراداً ، وقد أَخْلَت الإمبراطوريةُ القديمة المكانَ للإمبراطورية الجديدة.) مرت بها فلسطين بأخطر لحظاتها، إذ انتهى الانتداب البريطاني وبدأ الاحتلال الاستيطاني الصهيوني نشاطه المكشوف والفعلي على الأرض بدعم بريطاني مسبق فكما نعرف أن البريطانيين هم من تبرع بفلسطين وطناً قومياً لليهود لإبعادهم عن أوروبا حيث شكل اليهود مشاكل في كل المجتمعات التي آوتهم، وعاشوا في غيتوات مغلقة وغالوا في معتقدات أسطورية مزيفة يتوهمون فيها بأنهم (شعب الله المختار) لتنتهي تلك الفترة من الصراع باحتلال حوالي نصف الأراضي الفلسطينية، وطرد السكان الأصليين الفلسطينيين، وحرب عام 1948 التي انهزمت فيها الجيوش العربية. يقول إدوارد سعيد عن هدفه المباشر من وراء الكتاب (هذا الكتاب هو سجل لعالم مفقود أو منسيّ . منذ سنوات عدة، تلقيّتُ تشخيصاً طبّياً بدا مٌبرَماً ، فشعرتّ بأهمية أن أخلّف سيرة ذاتية عن حياتي في العالم العربيّ ، حيث ولدتُ وأمضيتّ سنواتي التكوينية ، كما في الولايات المتحدة حيث ارتدتُ المدرسة والكلية والجامعة . العديد من الأمكنة والأشخاص التي أستذكرها هنا لم تعد موجودة ، على الرغم من أني أندهش باستمرار لاكتشافي إلى أيّ مدى أستبطنها ، وبأدق تفاصيلها غالباً بل بتشخيصاتها المروّعة(.
 
يؤكد إدوارد سعيد على أصوله المقدسية والفلسطينية لأن كثيراً من الصهاينة وأبواقهم المأجورة حاولوا التشكيك بذلك ومن أشهرهم ذلك المحامي اليهودي الذي ادعى بأنه أمضى سنوات في البحث الدقيق والمجهد الذي شمل أربع قارات ليقدم تلك الوقائع المزيفة (. لهذه الغاية بالذات، ظهرت مقالة في شهرية يهودية محافظة جداً، على شكل تعليق يهاجم حياتي وتاريخي كفلسطيني زاعماً أنني لست فلسطينياً ولم أعش في فلسطين ولا طردت عائلتي من فلسطين عام 1948. يجب أن نتذكر أن هذا الهجوم علي هو الثالث من نوعه في عشرين سنة، كانت الأولى مقالة نقدية طويلة جداً في عام 1981 لكتابي القضية الفلسطينية، والثاني مقالة متهورة في عام 1988 أو 1989 بعنوان (أستاذ الإرهاب)، والثالث هو هذه المقالة التي كتبها شخص يدعى جيستوس وينر، إسرائيلي يدعي بأنه يعمل لمركز أبحاث غامض للجناح اليميني في القدس. حجة وينر مدعمة بتظاهره أنه أمضى ثلاث سنوات في دراسته لحياتي، وتحدث إلى ثمانين شاهداً ووجد تضارباً في ما أسماه ب(قصتي)، والتي لفقها بالشكل الذي أراده.)
 
لقد ولد سعيد في مدينة القدس في 1 تشرين الأول عام 1935، وعاش طفولته بين القدس والقاهرة وبيروت، ثم امضى حياته بعد إنهاء الدراسة الثانوية في نيويورك في الولايات المتحدة، فرغب بدافع الحنين إلى الماضي ان يربط ذلك الماضي بالحاضر (غير أنّ الدافع الرئيسيّ لكتابة هذه المذكّرات هو طبعاً حاجتي إلى أن أجسّر المسافة، في الزمان والمكان، بين حياتي اليوم وحياتي بالأمس.)
 
اقتِلُع سعيد من مكانه الأصلي وطرد منه وجرد من كل أملاكه ومنع من العودة إليه حاله حال كل المهجرين الفلسطينيين، ولم يستطع أن يرى بيته ومدينته المسلوبة إلا بعد أكثر من خمس وثلاثين سنة كمواطن أمريكي وليس كصاحب حق عربي ( ذلك أنه مع حلول ربيع 1948 كانت عائلتي الموسعة كلها قد أُجليَتْ عن المكان وعاشت في المنفى منذ ذلك الحين . على أني في عام 1992 تمكنتُ، للمرة الأولى منذ مغادرتنا عام 1947، من زيارة المنزل الذي تملكه عائلتي في القدس الغربية والمنزل الذي نشأتْ فيه أمي في الناصرة ومنزل خالي في صفد وغيرها من المنازل . وإذا هي في زيارتي الثانية ، يسكنها جميعَها ساكنون جدد تذرّعوا بأسباب عاطفية كابحة جداً ومبهمة جداً لعرقلة دخولي إليها مرةً ثانية ، بل لمنعي عملياً من الدخول ، ولو من أجل إلقاء نظرة خاطفة).

Pages