يزخر قاموس الفكر الانساني بمصطلحات ومفردات شتى في المجالات كافة ولو افترضنا جدلا ان هذه المصطلحات تبقى صالحة للاستخدام ومألوفة ، لكُنا أمام مفردات في اللغة غير التي نتداولها اليوم ، ولما كنا اساسا بحاجة الى قواميس تضم بين دفاتها ما اندثر من نتاج الفكر ومما عفى عنه الزمن والصحيح ان كل مرحلة من مراحل تطور الفكر البشري تبتدع ان جاز التعبير لغة تتناسب مع تطلعاتها واهتماماتها واهدافها . وتدل على مستوى نضجها ووعيها وما وصلت اليه حضارتها من تقدم او انحطاط .
وفي قواميس المصطلحات ومنها القاموس السياسي، نجد ان المصطلحات السياسية من اكثر المصطلحات تحركا وتغييرا ذلك ان المصالح والغايات والاطماع تتغير باستمرار ، وهذا يؤدي بالتالي الى ابتداع لغة تتناسب وتتماشى وتحاكي هذه المتغيرات . ولم يمضي بعد زمن بعيد على عبارات كانت تطالعنا باستمرار كبيرة رنانة تفرض نفسها علينا ملأ السمع والبصر ، مثل القوتين العظميتين ، توازن الرعب ، توازن القوى ، حرب النجوم ، الحرب الباردة وغيرها من المصطلحات التي اندثرت او كادت وصارت من حصة القواميس ، لتحل محلها مصطلحات اخرى تعكس اهداف وغايات وظفت لها مطابخ ومعامل انشئت لهذا الغرض ومنها مصطلحات ، النظــام الدولي الجديد العولمة ، سياسة الاحتواء المزدوج ، البحر متوسطية والشـرق متوسطية وغيرها مما بدأنا الاعتياد عليه واصبح من مألوف حياتنا . وفي منطقتنا برز مصطلح الشرق اوسطية ليزيح وبقوة مسندة ومدعومة تعابير ومصطلحات نشأنا وترعرعنا عليها وتأثرنا بها ، كالهـلال الخصيب ، والوطن العربي الكبير ...الخ واذا بالمصطلح الجديد يصبح ـ سيد المصطلحات ـ ويطغى على ما عداه .
هذا الكتاب محاولة للالمام بجوانب هذه "الشرق اوسطية" ، وذلك من خلال الاستعراض التاريخي لتطور المصطلح والغايات التي يسعى لتحقيقها ثم الوسائل المقترحة لتطبيقها سياسيا واقتصاديا ، في محاولة لاستشفاف مدى واهمية هذه الفكرة وامكانية تطبيقها عمليا والتنبه الى سلبياتها ويتم ذلك من خلال فصول خمسة تسبقها مقدمة وتنهيها استنتاجات وتوصيات .
مشاركات المستخدمين