حياة الكاتب عبد الله خليفة
تاريخ الميلاد:-
مفكر وروائي بحريني.
كتاب "حورية البحر" ،تأليف عبد الله خليفة ، والذي صدر عن دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
كان البحرُ يتحرش ببيتها، تتغلغلُ موجاتهُ بين أحجارهِ وقيعانه، فكأنه يطفو على الماء، في دورةِ المياهِ يصلُ إلى ساقيها، ويتضخمُ مدهُ فيضربُ حتى أحشاءه، وتغرفُ منه في النافذة وتداعبُ نوارسَهُ وتطعمها من فتات خبزها. كان يتنائى حيناً فيبتعدُ حتى كأنه غادرَ أرضَها، وترى القواربَ جافة، منقلبة على جهة، وثمة شظايا من زجاجٍ الماء تلمعُ وتتوهج.
كان يحضرُ على مائدتِها، فترى أمَها بين أدخنةٍ كثيفة تقلبُ على الصفيحةِ المعدنيةِ الرقيقة بناته، تلك السمكات الكثيرات الصغيرات مثلها اللواتي يقفزنّ على اللهب، وتنضجُ جلودُهن، ويطرطشُ دهنهن في فرقعاتٍ لذيذة، والحطبُ يُلقى، ومن هنا كانت هي حمالة حطب، تمشي على الساحل الطويل وتجمع قطعه.
أبوها هو المتحدُ بذلك الإله المترامي في كل مكان، الذي تراهُ يمضي بسفينتهِ يطلقُ البخورَ ويصلي، وكانت الشباكُ في مرآها تتشمسُ في النور، وأعشابٌ غريبة وطحالب وقواقع تجثمُ في تلك الخيوط، وكانت تنزعُ تلكَ الأشياءَ وتجففُها وتغسلها وترتبها في بيتها، بيتها الصغير الذي لا يجيءُ إليه الماء.
حين تعود السفينة يبتهجُ البيتُ والحيُّ وبضعة دكاكين، وتتصاعدُ روائحُ الشواءِ وزغاريدُ الأعراس وحفلات الختان، وهي تُزفُ عروساً للصبيةِ في تلك الخرابة التي هي على مرمى ألمٍ من بيتهم، وتعودُ ضاحكةً، والصبية يعطونها مهوراً كثيرة من القواقع، وكلُ منهم ينتزعُ قبلةً واحدةً يضعُها بهدوءٍ على جناحِ الفراشة ويطير.
تذهبُ للمطوع، تجلسُ في الحوش مع الصبايا والصبية وترددُ الآيات، تنتبهُ للكلماتِ، للموسيقى، فتريدُ أن تغَّنيها وترقص، فتأتي عصا المطوع قويةً على ساقها، فترتعشُ خوفاً، وحين تسقطُ في الظلام في الليل، وتسمعُ البحرَ يضربُ بقوةٍ الجدرانَ صاخباً، غاضباً، يقذفُ بالخشبِ على الحصى، وتسمعُ قرقعةَ القوارب والمواعين، ومواءَ القطط التي تحركُ الريحَ، تندفعُ إلى حضنِ أبيها، فتجدُ روائحَ العشبِ والبحر المتخثرة الرفيقة.
السفرةُ كبيرةٌ والأبُ يردد:
- كلي يا كوكب.
والأمُ تغمغم:
- لا تدللها!
- ليس لي غيرها.
- أتعيرني بعدم الإنجاب؟!
- لا أعرف كيف توقفَ بطنك عن الزرع.
- أمر الله.
مشاركات المستخدمين