أنت هنا
"أقصى الحديقة" التشبثُ الخفي ببساطة الحياة..
بدعم من الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق)، صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت المجموعة القصصية الثامنة لميسلون هادي وعنوانها " أقصى الحديقة" وتضمنت خمس وعشرين قصة قصيرة، وتقع المجموعة في 208 صفحات من القطع المتوسط. القاسم مشترك في مجموعة أقصى الحديقة، هو التشبث الخفي ببساطة الحياة، ونبذ المبالغات التي أصبحنا نعيش فيها سواء في العقيدة أو الاستهلاك أو التكنولوجيا.. وهذه المجموعة الجديدة فيها خليط لعدة شخصيات، هي وإن كانت تبدو واقعية، ولكنها تهكمية، وفيها تلوينات على قماشه بدائية تتبنى خللاً ما في شخصيات القصة تجعلها تتعامل مع العالم على طريقتها الخاصة، حيث لا تستطيع الجزم بمن تكون، ولا تعرف كيف تدرك ما تريد، وإن أدركته سيبدو أضعف وأقل مما ينبغي أن يكون عليه بملايين المرات، ولكنه بالنسبة لهذه الشخصيات مكتمل داخلياً، لأنه بعيد عن الانطباع الذي يكَونه الآخرون. .
وفي الأغلب فقد حاولت تلك القصص، التقاط الذبذبات التي تنطلق من المجال المغناطيسي لكائنات لا تريد تسلق العود أو الوصول إلى نهايته فتتظاهر بالسكون للهرب من الخطر.. مثلاً هناك الطفل الذي لا يعرف ماذا يفعل بعد أن أضاع ممحاته ولم يستطع أن يصحح الكلمات التي أخطأ بكتابتها في درس الإملاء.. هناك الكومبارس التي لا معلومات لديها عن دور الملكة الذي ستقوم به. هناك رجل في مشرحة يسمع ولكنه لا يتحرك. والكل يتساءل عن اسمه وهويته المجهولة.. هناك عجوز تجلس في الصف الأخير وتخرج قبل النهاية .. الكرسي المحدد هو مكانها الذي لا تفارقه..... يتذكر الجميع اسمها ولا تتذكر هي اسم أحد.. تغلط كثيراً بالأسماء، ولكنها لا تدري أنها تغلط بالأسماء.... هناك انتصار التي هاجرت من جنات جرمانة إلى جنات البط، ووصلت إلى كندا بجواز سفر مزور، ثم بعد سنوات أصابها العمى والزهايمر وهشاشة العظام، فحدث لها ماحدث في بيتها المطل على منتزه مقبرة الكلاب.. هناك جميلة التي استطاعت أن تقطع آلاف الكيلومترات خلال عشرين ساعة بين بغداد وعمان ثم تعود لتقطعها مرة أخرى في اليوم التالي بين عمان وبغداد.. وهناك هانئة الوحيدة التي كانت بين إخوتها بأنف كبير، وكانت تبدو لمن يراها من بعيد أكبر من سنها بكثير، فراحت تراجع مع نفسها علاقة المظهر بالجوهر وتناور بينهما.. وهناك عبود الذي يتكرر في صورة الضابط والحارس وصاحب البيت، وأيضاً توتة اللعينة التي لا يفهمها أحد إطلاقاً في قصة الفيل والنملة، وكذلك حديقة الزهور التي لن يراها سوى إسماعيل ياسين.