أنت هنا
صدور رواية "فرس العائلة" للأديب الكبير محمود شقير
صدرت عن دار نوفل للنشر والتوزيع في بيروت، رواية "فرس العائلة" للأديب الكبير محمود شقير، وتقع في 310 صفحات من الحجم الكبير. ويحمل الغلاف الأول رسما لفتاة بدوية حسناء ملثمة وليست منقبة، ومن عادات البدو أن يتلثموا رجالا ونساء، والنقاب غير معروف عند أبناء البادية الفلسطينية.
فرس العائلة، وهي فرس شيخ القبيلة، الذي قتل على نبع الماء من مجهول، وان كانت الشكوك تدور حول أبناء قبيلة أخرى، فعادت فرسه الى مضارب قبيلته، وتركت دون عناية مما اضطرها الى الهرب، لكن نساء القبيلة ورجالها ظلوا يفتقدون هذه الفرس، وبقوا يتخيلونها ويحلمون بها، وبنوا حولها حكايات وخرافات كثيرة، ومعروف أن الخيول الأصايل كانت ولا تزال من مقتنيات شيوخ القبائل والعشائر، وللفرس التي تردد ذكرها عشرات المرات في الرواية، وبنوا حولها الخرافات أكثر من دلالة ورمز، فبعد مقتل شيخ القبيلة صاحب الفرس، واختفاء الفرس بعده اشارة الى تخلي العشائر موضوع الرواية عن أصالتهم البدوية بتحضرهم كما كانت تعتقد صبحاء مثلا، تلك الأصالة والبداوة التي لا يزال يحن البعض منهم اليها، وهي في ذهن بعض الأشخاص مثل يوسف رمز للثورة الخفية. وتمتد أحداث الرواية من اواخر العهد العثماني وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية. وتتحدث عن عشائر بدوية تعيش في البراري، ورحلت وسكنت أطراف مدينة القدس، وتتابع تفاصيل حياتهم من مخادعهم، الى مراعيهم، الى معتقداتهم، وصراعاتهم القبلية، وحياتهم البدائية، وبداية تحضرهم وتركهم حياة الترحال والتنقل، وعملهم في المدينة، واحتكاكهم ببيئة المدينة المختلفة عن بيئتهم ومفاهيمهم، وتأثرهم بها، وبدايات التعليم عندهم في الكتاتيب، وطريقة زواجهم، وتعدد الزوجات عندهم، وعاداتهم وتقاليدهم، وبساطتهم وسذاجتهم، وايمانهم بالخرافات، وعالمهم الخاص بهم.
كما تتحدث عن هزيمة الأتراك في الحرب العالمية الأولى من خلال فهم هذه العشائر البدائي لتلك الحرب، ودخول الانجليز كمنتدبين استعماريين على فلسطين، ومحاولتهم التدخل في حياة هذه العشائر، وتسهيلهم الهجرات اليهودية الى فلسطين، ومن ثمّ مقاومة الشعب الفلسطيني للغزاة الجدد وعدم اطمئنانهم لهم، حتى أن بعضهم التحق بقوات الفرسان البريطانية، لكنهم ما لبثوا أن هربوا بأسلحتهم، واشترك بعض أبناء هذه العشائر في المقاومة، واطمأن بعض قادة الثورة لهم، حيث أخذوا يترددون عليهم، مثل القائد الشهيد عبد القادر الحسيني، والقائد الراحل فؤاد نصار.
وقد خلط الكاتب الواقع بالخيال، بحيث يصعب التفريق بينهما، وفي روايته هذه يكتب عن واقع عاشته المنطقة التي ينتمي اليها، وولد وترعرع فيها، وهي عشائر عرب السواحرة، التي تمتد أراضيها من قمة جبل المكبر جنوب القدس القديمة، وحتى البحر الميت، وهي عشائر تحضرت، وسكنت البيوت الحجرية في بدايات العقد الثاني من القرن العشرين، وعاشت في البداية صراعات وخلافات حول الرحيل من البراري، والاستقرار قرب المدينة المقدسة، وكان السبب الرئيس في ذلك هو الرغبة في الحاق أبنائهم بالمدارس، تقليدا منهم لأبناء القدس، عندما اشتغلوا في التهريب بين فلسطين والأردن زمن الانتداب لصالح تجار القدس، حيث لم تكن وقتئذ ضرائب في الأردن، وساعدهم في ذلك سيطرتهم ومعرفتهم بطرق براريهم التي لم يسيطر عليها الانجليز سيطرة مباشرة، كما كانوا يسطون على ملّاحات البحر الميت، ويحملون على دوابّهم ما استطاعوا من الملح، ويبيعونه في المدينة وقراها، وحتى وصلوا رام الله وقراها أيضا. ونتيجة للجهل الذي ساد في أواخر العهد العثماني، فقد انتشرت الخرافة، وآمن الناس بها، نتيجة عدم قدرتهم على فهم وتفسير بعض الظواهر، ومعروف أن قرية"رأس النبع" التي ابتدعها الكاتب لاستقرار العشائر البدوية، هي قرية متخيلة، وغير موجودة على أرض الواقع، وكأني به يهرب من الواقع كي لا يقع في اشكالياته، حيث بنى الكاتب روايته على مئات الحكايات والقصص التي سمعها من سابقيه، والتي عايش بعضها أيضا، لكن هذا لا ينفي أنه ابتدع حكايات وقصصا أخرى ليخدم البناء الروائي، ومن هذه العادات الحقيقية: رمي عباءة أخ المتوفى على أرملته، مما يعني أنه سيتزوجها بعد انقضاء عدّتها، تعدد الزوجات-الذي كان سائدا- الزواج البدائي "انتِ على حجر وأنا على حجر، هل تقبليني لك ذكر" رجال المدينة كانوا يلبسون الطرابيش، ونساؤها يرتدين الفساتين، عادات الخطبة والفاردة والزفة، والأغاني الشعبية، الزواج المبكر للذكور والاناث، زواج كبار السن من بنات قاصرات، افتتاح كتّاب في المضارب، والتعليم المختلط فيه، التحاق بعض أبناء العشائر بسلاح الفرسان زمن الانتداب، وهرب بعضهم بأسلحتهم، والتحاق البعض بالثورة، حمام العين في القدس واستحمام النساء فيه، اشتغال البعض بالتجارة البسيطة، عمل بعض النساء خادمات في بعض بيوت أثرياء المدينة، تقليد نساء القرية الوليدة لنساء المدينة في اللباس واستعمال مواد التجميل، وَشْمُ بعض النساء كنوع من التزين، استعمال بعض الشتائم الشعبية مثل"مزنبره يا قبرت سلالتها"ص111 و"يصلي على ذيالها"ص114، الاحتفال بختم القرآن في الكُتّاب، الايمان بالخرافات والشعوذة، الخوف من الغرباء، العلاقة بين الرجل والمرأة، وسطوة الحماة على الكنة، وسطوة المختار ودوره.....وانحسار دوره في مرحلة لاحقة...الخ. ويلاحظ أن الكاتب كان يورد بعض من يشككون ولا يؤمنون بالخرافة والشعوذة كلما وردت في الرواية، وكأني به يقول"أنا لا أكرس الخرافة، وانما أروي لكم ما كان يحدث في مرحلة زمنية معاشة، وكيف كان للخرافة سطوتها على أذهان الناس في مراحل الجهل والتخلف، وغياب التعليم.