أنت هنا
كتاب الموت للمقدادي الحضور الشعري والإنساني في الموت
بين ثيمة الحزن والاقتراب من حقيقة الموت، تتجلى مفردات الإصدار الجديد كتاب الموت للشاعر د. محمد مقدادي، والذي جاء في قالبين يتحدان في الرؤيا، ويفترقان في أسلوب الانتقال من صورة معاشة، وأخرى متخيّلة للموت.
الديوان الجديد الذي يقع في 114 صفحة من القط المتوسط، والصادر عن دار الكتاب الثقافي، وانتبذت قصائده جميعها مكانا في سويداء القلب، صدرت عن قلب عاين لحظة الموت، فالتمست له وجوداً غير الذي يعاينه الآخرون، فهو الذي قرع باب الحياة، ليحط رحاله العاتية على فلذة كبد الشاعر، من هنا حضرت القصائد بكامل ألمها وفجيعة موازينها التي ذهبت بعيدا في تأويل الموت وحالاته.
في هذا الكتاب القصائد لم تأتِ مصادفةً، أو ضربةَ نردٍ في مقارعةٍ شعريةٍ، بل جبلَها وعجنَها ألم الشاعر ووجعه، ووضعها كمصابيح تهدي إلى ما وراء كينونة الموت، هذه الكينونة التي ضارع مفرداتِها، وهوَ يرسمُ بدمعهِ وألمهِ تعاليمَها، وحكمتِها، ليصوغَ لنا كتابه، وبالضرورة، يحملُ الكتاب علاماتٍ فارقةً في سياق النص الشعري والنثري.
الموت هو الحادثة النابضة في متون القصائد والتي لا يرى الشاعرُ فيها إلا تقصّي الحقيقة وتجلياتِها، عبر مفاتيح تتكسّر مرّة، فتُغلَقُ الأبواب، وتتعاضد مرّةً أخرى، فتُشرَعُ أمامه كينونتُهُ، ومآل هذه الكينونة التي يراقبها عن كثب، ليستجلبَ الأمر ويحاورُهُ، والشاعر آنذاك يرى أنْ لا مفرّ من التسليم، التسليم الممزوج بدمع الحياة وقسوتِها، ولكنّه مع هذا يؤكد على حضورِه الإنساني والشعري، ليقدّم لنا عملاً في إطار ما أنبتتْهُ هذه الحالة.
والموضوع في هذا المركب المزدوج بين النثر والشعر، يظلُّ واقفاً على ساقِ المعنى وأبعاده، فهو لا يتقدم الفكرة، بل يسبقها بخطواتٍ حتى لا تتجزأ، ليشكل الكتاب نسختَهُ الأوفى مرحلياً، فهناك في قلب الشاعر ثمّة ما لم يُنجز، أو ثمّة تأويلات للحلم، بمقتضى أنّ الواقع ما زال نابضاً بخطوات الراحل، الخطوات التي تتضاعف في كلّ سنبلةٍ يمرّ عليها الشاعر صباحا ومساءً، كيف لا وهوَ صُنْو الروح الأوّل، وعِماد الزمن القادم، ولكنْ يسترشد الشعر الإنساني كما هو الحال في كتاب الموت بما هو أبعد من ذلك، بما يراهُ في انعكاس هذه الثيمة في عيون مَنْ حوله.
إنّه الموت إذن في عيون الشعر، والشعر في عيون الشاعر، وكلاهما: « الموت والشعر» طريقان للخلاص من وحدة الذات وانكساراتها، هذا ما يُفضي به النص الشعري الذي يرى فيه الناقد د. هادي نهر في مقدمته للكتاب بأن الشاعر د. مقدادي : يصطحب في القصيدة حنينه، وشوقه لعاكف، وتبدو التفاصيل التي تبكينا مجسمة بالتفاصيل، وفي القصيدة يقيس المقدادي مسافات زمانه ومكانه، يسند نفسه بنفسه، وهو يرى قامته تحت أقدامها تتكسر .
من أجواء الديوان:
« تريّث قليلا
فقد أخذ الموت مني الكثير
أبي، وصديقي، وأنت، وزيتونة، كنت في ظلها
ولدا باسقا
وطيرا
على غصنها لا يطير».