أنت هنا
ليلة الهدهد؛ من يقطف عادة الثمار التي ترويها دماء الشهداء؟
"ليلة الهدهد" إصدار روائي يقع في (680) صفحة من القطع الكبير عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2013. للكاتب العراقي المقيم في السويد إبراهيم أحمد، وقد سبق لإبراهيم أحمد أن أصدر روايتين هما "طفل السي إن إن" والتي قدم لها الروائي الراحل عبد الرحمن منيف ورواية "الانحدار" إلى جانب مجموعات قصصية وكتابات سياسية أخرى .
يقول الروائي عن ليلة الهدهد التي كتبت فصولها بين آب 2000 ونيسان 2013 في السويد وبغداد والقاهرة:
احدث انهيار الشيوعية في الاتحاد السوفيتي، وبلدان أخرى في العالم، انعكاسات حادة وعميقة على حياة ونفوس عشرات الآلاف من الشيوعيين العرب! مأساة العجوز يونس رحيم الشيوعي العراقي كانت مدخلاً له للوقوف لا على خيبته وحسب، بل وخيبة وطنه وأجيال أخرى؛ منيت بالخسارة والألم الكبير، في نكبات أخرى!
يضرب رفاق الأمس على رفيقهم يونس، الذي جاوز الثمانين،عزلةً وحصاراً طويلين، بسبب اعتراضه على فسادهم، وصيحته بخطأ الفكرة. يروح من بيته المتداعي في أعلى قلعة قديمة على الجبل يتأمل تاريخه الشخصي وتاريخ بلاده؛ عبر رحلة طويلة مع شهداء حزبه، مستعيناً بصديقه الروائي المخضرم جلال العطار الذي يبعث من الموت فجأة! تغوص الرواية معهم في تلافيف تاريخ العراق الحديث منذ الاحتلال البريطاني، وتكون الدولة الحديثة، نشوء الأحزاب والحركات الفكرية والثقافية، وبداية الصراعات الطائفية والقومية. وترصد من خلال شخصيات وجماعات كثيرة محاولة العراقيين الخروج من ركام الماضي الثقيل إلى رحاب الحضارة، والحياة الجديدة، وما رافق ذلك من عذاب وتضحيات! تقف الرواية بشكل خاص أمام الأعداد الهائلة للشهداء الذين قضوا دون أن يتحقق شيء من أحلامهم. على العكس: تحقق ما هو مجاف ومناقض لطموحهم. فيطرح يونس بجرأة سؤالاً مشروعاً: من يقطف عادة الثمار التي ترويها دماء الشهداء؟ وما جدوى الاستشهاد؟ ومن يحرض عليه وهو في مأمن ونعيم؟
الرواية إذا تبرز تجربة الشيوعيين وتحطمها على صخرة فكرتهم الصماء المستحيلة والخاضعة لإرادة السوفيت، ودعوة جماعة الأهالي، واصطدامها بنزعة العسكر، والإرهاصات القومية المشتتة والمتصارعة. فإنما تقف بشكل جوهري أمام خيبة الإنسان، وتهاوي أحلامه الكبيرة، ووقوع الأمل في متاهته القاسية المريرة، وانتشار ضباب الحيرة والضياع تحت سماء أرتبط بها شروق الشمس!
الرواية تجعلنا نعرف بشكل أعمق حقيقة ما يجري اليوم في العراق، فهي تطرح سؤالها الأساسي: لماذا حل فيه كل هذا الخراب؟ ولماذا وصل وطن يحمل الكثير من مقومات الخير والجمال والسعادة إلى هذا التمزق والشقاء والدمار؟
في الرواية يمتزج الموتى بالأحياء، الخيالي بالواقعي والوثائقي، الاسم الحقيقي بالمستعار، الجو السياسي بالشعري والحلمي، والمأساوي بالفكاهي، في رحلة روح معذبة هائمة تشق طريقها بين الصخور والأشواك نحو شاطئ بعيد!
رواية لا تهم عشرات آلاف الشيوعيين العرب وحسب، بل أولئك الذين يهمهم أن يعرفوا سر هذا القلق العاصف في حياتنا على هذه الأرض التي ارتوت بكثير من الدماء، ولم يثمر فيها حتى الآن سوى الحزن والشقاء، هي رواية الإحباط المتكرر، والوجود الإنساني القلق والمدمر!