أنت هنا
مسفر الدوسري ومعرض الكتاب
الأيام التى عشناها في معرض الكتاب العربي في الكويت سمة من سمات أيام الكويت الثقافية، وتاريخ معرض الكتاب ليس تاريخا بسيطا، فهو أحد أهم معارض الكتب في العالم العربي والذي استمر منذ قرابة أربعة عقود كانت تستوجب أن يتطور محافظا على ريادة يستحقها عربيا ودوليا أيضا. ولكن المتابع لمعرض الكتاب يرى ما يشبه الثبات في أدائه وربما تراجعا في حجم التنظيم وادارة الندوات المصاحبة له.
الملاحظة الأولى وربما الأهم هي الاقبال الشديد من القراء والمتابعين على المعرض حتى يكاد المرور بين أجنحته وخصوصا الأجنحة الخليجية يبدو مستحيلا للكثافة الجماهيرية في أغلب الفترات المسائية. هناك اقبال محمود على الكتاب ومتابعة الاصدارات من الجيل الشاب الذي يبشر بحركة قرائية وحراك ثقافي. ورغم استياء الكثير من المثقفين من تهافت الجيل الناشئ على نوعية من الكتب الشبابية التي تفتقر الى القواعد الأساسية للكتابة والنشر الا أنني، وكما خالفتهم سابقا، مازلت أرى أن هذا الاقبال على الكتاب أيا كان محتواه الفكري أو مستواه الأدبي هو طريق لتنشئة قارئ مستقبلي يتطور طبيعيا نحو الأفضل.
ما يكاد يصيب المتابع بالدهشة والحيرة هو تراجع الفعاليات المصاحبة لمعرض الكتاب في الكويت. هذه الفعاليات ليست مناسبات تكميلية لملء فراغات وحشوها بندوات وأمسيات تحت عناوين غير مدروسة ودون خطة. وما حصل في الأمسية الشعرية كان مهزلة بكل معنى الكلمة وخطأ يقترب من الخطيئة لا أجد له مبررا واضحا أو ردا مقنعا حين يدعى شاعر عربي من لبنان بلد الشعر والشعراء لا يجيد القصيدة العربية ولا أصول اللغة ولا يجيد أيضا الشعر العامي ليشترك مع شاعر جميل ومهم في التجربة الشعرية في الكويت والسعودية وشاعرة رائعة من تونس تكتب بالعربية الفصحى ليكون نشازا لا يقبله محب الشعر العامي ولا الشعر العربي.
لا أعرف من أقحم الدكتور محمد السعدي شعريا بين صوت مسفر الدوسري صاحب أجمل قصائد اللهجة الكويتية وأرقها في الحب وأكثرها شموخا في الشعر الوطني. مسفر الدوسري صاحب التجربة الطويلة مع قصائد الغزل وصاحب أجمل قصائد الاحتلال والتحرير كان يستحق أمسية تليق به. ولكنه وجد نفسه محصورا بين قبول جمهوره له وترقبه لسماع صوته المتفرد وبين استهجان الجمهور لكلام لا يمكن أن يحمل صفة فنية نطلقها عليه للدكتور السعدي. وربما يختلف الذوق الشعري أحيانا في تقبل شاعر ما أو رفضه ولكن ميزة السعدي الفريدة والوحيدة أن الجميع اتفق على استهجان ما رتبه من كلام ليسميه، هكذا لوحده، شعرا. بالمقابل كانت الشاعرة الجميلة فاطمة محمود التونسية صوت آخر لا ينتمي لتجربة الدوسري العامة الرائعة ولا بالتأكيد لكلام السعدي وكان يليق بها أن تكون في أمسية أخرى لجمهور آخر.