أنت هنا
"نساء دبي الجميلات".. رواية يجب أن يقرأها كل رجل
بقلم: مصطفى عبدالله
لا تسعفني المساحة للاحتفاء بعشرات الكتب التي تصلني أسبوعيًا من مؤلفين بذلوا الجهد والمال كي يرى إنتاجهم النور ويصادف من يعتني به. وربما أشير هنا إلى بعض هذه العناوين: روايتان من الإسكندرية للكاتب على المغربي "الكوخ الأحمر"، و"حديث وادي القمر"، وديوان الشاعر العراقي أمجد محمد سعيد "خلف ساحات التحرير"، ودراسة الناقد الكويتي الدكتور خليفة الوقيان "القضية العربية في الشعر الكويتي"، وديوان الشاعرة السعودية الدكتورة ليلى القرشي "مداي أنت"، وكتاب الدكتور أحمد سلامة إبراهيم "الصبر.. الفضيلة الغائبة في حياة البشر"، وكتاب الإذاعي الدكتور جمال حماد "أشكال السرد في التراث النثري العربي"، و"كتب تحترق.. تاريخ تدمير المكتبات" للوسيان بولاسترون، و"المال العزيز" رواية مارتا ماكفي، و"المرأة في مسرح عبدالرحمن المناعي" لإمام مصطفى، ورواية "نسائي الجميلات" لأمنية طلعت، التي بدأت مشوارها الصحفي في جريدة "أخبار الأدب" لكنها سرعان ما تركتها وذهبت لتحقق ذاتها في الصحافة العربية وعادت بهذه الرواية الصادرة منذ أيام عن دار روافد للنشر بالقاهرة.
لقد نسجت أمنية طلعت روايتها من تجارب نساء دفعت بهن الظروف للحياة في تلك المدينة الكونية العجيبة التي تقول عنها: "بنات.. بنات.. بنات.. هذه هي دبي، بلد مليء بالبنات اللائي يحلمن بالرفاهية التي لم يوفرها الأهل، ولم يكن ليقدمها فارس الأحلام الذي ضل طريقه في الوطن، أو ربما رحل مع البنات لكنه بالتأكيد لن ينظر للراحلات معه، بل سيبحث عن فتاة قابعة جوار منزل أمه لا تملك فك القيد، وتنتظر من يمنحها قيدًا مغايرًا عما اعتادته في بيت أبيها، كي ترسلها له في أول شحنة قادمة من الوطن!".
وبمهارة الأنثى الكاتبة تختار أمنية طلعت أربعة نماذج من بين هؤلاء النسوة التي تعج بهن أسواق دبي وحاناتها ومكاتبها ومؤسساتها متعددة الجنسيات لترسم للقارئ ملامحهن في لحظات الإنهيار والضعف والسقوط وفي أوقات النجاح واصطناع السعادة: "منال الوزي"، ابنة رجل سياحة لبناني مشهور، انتقل إلى الإمارات ليعمل بها مع اشتداد وطأة الحرب الأهلية اللبنانية، ووقوع شركته السياحية في ازمة مالية طاحنة. حاول الهجرة إلى إحدى الدول الأوروبية لكن الأمر احتاج إلى إجراءات طويلة وصعبة، فصفى شركته وحمل نقوده وهرب مع زوجته وابنته وابنه إلى الإمارات، ليؤسس بالاشتراك مع أحد عملائه الإماراتيين شركة سياحية.
و"هالة".. السورية ابنة "السويداء" التي لم تكن تعلم أنها بذكائها الحاد وتفوقها الدراسي يمكنها أن تحصل على ما تشاء وقتما وأينما شاءت، ورغم التحاقها بكلية الهندسة بجامعة دمشق، إلا أنها دخلت إليها وخرجت منها وهي لا تربطها علاقة بأي طالب أو حتى طالبة، كانت تذهب إلى الكلية لتحضر جميع المحاضرات ثم تعود إلى المدينة الجامعية كي تستذكر دروسها فقط، اللهم إلا إذا كانت تستمتع بالجلوس على سلالم مبنى الكلية الخارجي، وحيدة وصامتة تمامًا، تتفرج على هذا العالم الكبير الذي كانت ترهبه، لكنها في نفس الوقت تود لو أن أحدًا استطاع أن ينتشلها من مقعدها ليغرسها داخل هذا العالم بقوة.
والمصريتان: "أمل" و"سميرة".. الأولى التي قدمت إلى دبي مكللة بفشل ساحق منقطع النظير بعد زواجها وحرمانها من ابنها الذي اضطرت إلى تركه في حضانة أمها بعد أن رفض والده الموافقة على سفره عندما قررت هى مغادرة مصر، والثانية خريجة الهندسة دفعة 1994 المعاقة لإصابتها بشلل الأطفال التي ألقت وراء ظهرها فكرة الزواج أو حتى الارتباط برجل بعد قصة حب فاشلة مع أحد زملائها.
وعلى الرغم من أنني لست من أنصار استشراء العامية في النصوص الروائية، إلا أنني لا أستطيع أن أنتقد إسراف أمنية في كتابة الحوارات الطويلة بالعامية لأنها نجحت في استنطاق كل شخصية بلهجتها الدارجة من خلال خبرتها بالجنسيات المختلفة التي عايشتها على مدى عشر سنوات في دبي، فجاءت الحوارات واقعية رشيقة مكنت القارئ من الاستمتاع بمتابعة الأحداث المتسارعة التي تزخر بها الرواية.
وفي تقديري أنها رواية نسائية بامتياز لأنني كرجل أعي جيدًا أن قدرة الكاتب، مهما بلغت، تعجز عن الوصول إلى التقاط تلك التفاصيل الدقيقة التي لا يمكن إلا لعين إمرأة أن تلتقطها، وإن كانت أمنية تختلف معي بضراوة في هذا الحكم إذ تقول: "لا أعتقد في تجنيس الأعمال الأدبية من زاوية نوع كاتبها. ببساطة نقرأ روايات وقصص كثيرة يكون أبطالها ذكورًا، والمرأة موجودة على هامش الأحداث والهموم المتناولة ذكورية بامتياز وﻻ نسمع توصيف عمل ذكوري أو أدب ذكوري. فالمرأة ليست كائنًا فضائيًا هبط على كوكب اﻻرض بعد أن عمره الرجل، بل هي أساس الحياة والوجود، وهمومها وأوهامها وأزماتها تؤثر بشكل كبير على سير هذه الحياة وتطورها ربما أكثر من الرجل، لأنني ببساطة مؤمنة بأن خيوط لعبة الحياة كلها في يدها.
لقد قرأ رجال روايتي وكان انطباعهم أنها رواية يجب أن يقرأها كل رجل لأنها تفك الخيوط المتشابكة التي تتسبب في غموض شخصية المرأة، لأن "نسائي الجميلات" يدخلن في عملية حياتية لفهم أنفسهن والتعبير عنها بوضوح ما يجعلهن واضحات ينطلقن في الحياة بدون أوهام".
وعن سر اختيارها لهذا الغلاف الذي يعمد إلى العبث بلوحة الموناليزا الشهيرة تقول المؤلفة: "هذا الغلاف ثمرة نقاش بيني وبين المصمم مهند الغندور ولكن فكرة الموناليزا عارية الكتفين التي تمسك بين أصابعها سيجارة مشتعلة كانت فكرتي ﻷنني كثيرًا ما تطلعت إلى لوحة الموناليزا الأصلية فإذا بي أرى امرأة غامضة حيادية النظرة ﻻ تشعر معها إذا ما كانت سعيدة أم تعيسة، ذلك لأنها تعيش مكبوتة مجبرة على نمط معين من الحياة. لذا فقد قمت بتعهيرها في المفهوم الجمعي لمجتمعاتنا، لأن المرأة عندما تعبر عن نفسها بحرية ودون أطر فكرية جامدة تجبرها على نوع واحد مغلق نمطي من الحياة تصبح عاهرة وفقًا لعقلية مجتمعاتنا المنغلقة فكريًا. وستظل المرأة غامضة غير مفهومة بالنسبة للرجل لأنها تعيش داخل إطار ضيق يحدده لها المجتمع وﻻ تعبر عن نفسها خشية تعهيرها ونبذها من المجتمع".