أنت هنا

هدى بركات تجمع حياة جماعة لبنانيّة وقصّة بلدتين في "ملكوت هذه الأرض"..

في رواية "ملكوت هذه الأرض" تكتب الروائية اللبنانية هدى بركات بطريقة أخاذة مؤثرة ووصف جذاب وقدرة على نقل الأفراح والأحزان إلى القارئ فتصور جماعة لبنانية في معقلها الجبلي وتتحدث عن حروبها وأيامها الحلوة وعن تقاليدها وأوهامها وعن تحكم الإقطاعي ورجل الدين فيها.
تبدأ هدى بركات سردها متناولة فترة من الزمن تمتد نحو قرن في الماضي لتصور لنا هذا المجتمع الصغير وما لحق به من تطورات مع دخول مظاهر الحياة الحديثة إليه.
في أحيان كثيرة تدخل اللغة المحكية إلى روايتها وهو أمر على الرغم من غرابة بعض تعابيرها ومصطلحاتها يجعل النص أكثر حياة وواقعية. نستطيع أن نقول بموضوعية إن هدى بركات في هذه الرواية تكتب بطريقة ساحرة وان نصها يمسك بالقارئ بل يشـده إليـه بمتعـة وشبـه خدر لذيذ.
وهي في الحديث عن «حروبه» وعداواته تشير إلى عداوة قديمة قامت بين بلدة هذه الجماعة وهي بشري وبين بلدة مسيحية مارونية أخرى أيضاً في جبل لبنان الشمالي هي زغرتا التي ينتقل أهلها صيفا إلى أهدن القريبة من بشري. وقد تحولت البلدتان الآن إلى مدينتين.
الرواية الطويلة جاءت في 351 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن (دار الآداب) في بيروت.
كتب الناشر عن الرواية كلاماً لا بد للقارئ من أن يخرج بما يشبهه بعد قراءتها. قال «بين الخرافة السحرية والوقائع المدونة بخفة الحكاية الشعبية لتاريخ لبنان تعيش شخصيات عائلة (المزوّقية) في المرتفعات الشمالية حيث يتحصن هؤلاء الموارنة من أعدائهم الكثيرين وحيث تمر الحروب على مدى قرن.
«يموت المزوّق الأب بردا على قمم ضهر الجرد الثلجية فيسير ابنه طنوس بالحكاية ثم تلتحق به أخته سلمى. بين أديرة الوادي المقدس وسير البطولات المحلية الآسرة يختلط حب الموطن بغياب الوطن.
في (ملكوت هذه الأرض) نقرأ عن أفراح هؤلاء الناس البسيطة وعن شظف عيشهم عن لهوهم السعيد وأوهامهم الكثيرة وعن حكايات الأقدار الآيلة إلى الأسى.
تسيطر على كثير من أفراد هذه الجماعة عقد ذنب ومصائر تبدو مكتوبة عليهم بعضها ليس من صنعهم هم بل ورثوه عبر تراثهم الإيماني وهو «الخطيئة الأصلية» التي تلحق بالمسيحي وعليه أن يكفر عنها طوال عمره.
إلا أن مشاعر الذنب الأخرى تنتج عن أحداث في حياتهم الحالية. نحن الآن نتكلم عن عائلة المزوّقية.
طنوس الشخصية الأبرز في الرواية مع شقيقته سلمى يمر في أكثر من حال من حالات الشعور بالذنب. وسيطر عليه شعور بأنه وهو الولد الصغير ما كان يجب أن يطيع والده الذي أمره أن يتجه إلى القرية وبقي هو في الجبل حيث قضى «وافترسته الذئاب والضباع.»
وفضلاً عن الشعور الموروث وهذا الشعور الجديد نجده بعد أن حاول الانضمام إلى الرهبان والتحول إلى واحد منهم وبعد عدم قبوله في سلك الرهبنة وقد تفاقمت حدة مشاعره إذ خيل إليه إن المسيح لا يحبه ولذا فقد رفض في سلك الرهبنة.
ثم أن طنوس وشقيقته وصهره نجيب وجدوا أنفسهم في وضع لم يكونوا يتصورونه انجروا إليه بسبب الخمر إذ اضطروا بل اضطر نجيب إلى قتل ضابط فرنسي كانوا في سبيل القيام بنوع من العمل التجاري السري معه. كمنت القضية أو هذا السر في عمق وعيهم حيث يخفونه عن الجميع.
هرب طنوس إلى سوريا وأشيع في البلدة انه سافر إلى استراليا. وغاب سنوات هناك إذ بقي سنوات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وجلاء الفرنسيين.
عمل في الغناء إذ كان صوته جميلاً كما كان صوت والده الراحل. بعد هذا الحادث رافقه كما رافق أخته سلمى هذا الشعور الجديد بالذنب. وبدا طنوس أحياناً حيث كان يحاكم نفسه بمرارة أشبه ببطل فيدور دوستويفسكي في (الجريمة والعقاب) وكأنه يبحث عن عقوبة.
وزاد من شعوره بالذنب وبعدم الجدوى انه كان قد أحب حلا ابنة عمه وتركها تذهب إلى شخص غيره تتزوجه. إما سلمى تلك التي كانت مثل شمعة تحترق من اجل العائلة فهي بعد أن كبرت كانت تحاكم نفسها وتقول لذاتها إنها لم تفعل ذلك تضحية من اجل إخوتها وأخواتها بل لأنها لم تعرف الحب ولم تهتم بأحد من الرجال ربما لخلل في نفسها كما صارت تعتقد.
وتتغير أمور في البلدة إذ أن هذا المجتمع الزراعي البسيط سرعان ما دخلت إليه مظاهر الحضارة في صورة الفنادق ومؤسسات التزلج على الجليد في تلك المنطقة التي تعتبر الأكثر ارتفاعاً في لبنان.
وفي الصيف يتحول المنتجع الشتائي إلى مصيف تنتشر فيه الفنادق والمباني الفخمة. وتتوسع حلقة اتصالات أهل البلدة إذ استأجر عدد منهم بيوتا في بيروت بسبب الدراسة أو العمل.
وسكنوا في المناطق الشعبية حيث تجاوروا مع مسلمين ومع أرمن ودخل شبان من البلدة ومن العائلة في الحركة السياسية وفي الصراعات والتظاهرات التي كانت تجري في لبنان قبل حرب سنة 1967 العربية الإسرائيلية وبعدها.
وما لبثت المشكلات الفلسطينية اللبنانية أن بدأت وتقاطعت طرق شبان العائلة مع طرق أحزاب وجماعات مختلفة وصارت الجماعة إلى حد بعيد جزءاً من الجماعة اللبنانية الكبرى بعد أن نشبت الحرب الأهلية عام 1975. وقد عادوا إلى بلدتهم هرباً من الحرب.
مرت الأيام فلا طنوس تزوج ولا سلمى وتقدم العمر بالاثنين. تقول سلمى «هذا يوم أحد لكن الرب سيسامحنا إذا لم نذهب إلى القداس في طقس كهذا.» ثم تقول سلمى إن الراديو حكى عن إن البارحة كان يوماً فظيعاً في الحرب الأهلية وسموه (السبت الأسود) فيقول لها طنوس "ما لنا وللأخبار يا سلمى".
وكبطل ارنست همنجواي في (العجوز والبحر) الذي نظر إلى السمكة الكبيرة التي اصطادها فوجد لما وصل إلى المرفأ إنها ليست أكثر من عظام.
حدّث طنوس سلمى عن العمر ومرّ الزمن قال «أفكر إننا بعد خروجنا هكذا من الحياة وبعدما عدنا إلى مرتفعاتنا الثلجية هذه كرعيان خائبين وقد أضاعوا قطعانهم ينبغي أن ننسى. ينبغي أن نترك الكلام لمن سيأتي بعدنا. فنحن الذين لم نفهم ما الذي حدث لحيواتنا في الماضي علينا أن نترك الرواية لفصول آتية لا نقدر الآن على أن نتخيلها ولو في الأحلام.

الناشر: 
رويترز

أخر الأخبار

يسرقون الصيف من صندوق الملابس نزار أبو ناصر

يسرقون الصيف من صندوق الملابس

نزار أبو ناصر

 

صدر حديثا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2021 ديوان " يسرقون الصيف من صندوق الملابس" للشاعر نزار أبو ناصر.

 منذ أعماله الأولى والشاعر نزار أبوناصر يطرق باب...

تاريخ فلسطين الحديث د. عبد الوهاب الكيالي

تاريخ فلسطين الحديث

د. عبد الوهاب الكيالي

 

صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2021 كتاب " تاريخ فلسطين الحديث" - تأليف د. عبد الوهاب الكيالي . هذه هي الطبعة الثانية عشرة من الدراسة الجادة والشاملة لتاريخ فلسطين...

لأول مرة كتب عربية وانجليزية رقمية في مكان واحد وفي مكتبة واحدة متاحة للجميع

تعلن شركة ektab عن توفيرها 70,000 كتاب باللغة الانجليزية لمستخدميها مجاناً عبر موقعها الالكتروني www.ektab.com

اطلقت شركة  “اي كتاب” 70,000 عنوانا باللغة الانجليزية من شتى...