أنت هنا
يافا للأبد… كتاب يروي العطش إلى أرض البرتقال الحزين
للأبد يكون موسم الهجرة إلى البرتقال، أشبه ما يكون بالهجرة إلى جنان الله على الأرض، وهنا كتاب " يافا للأبد " يأخذك إلى مدينة كنعانية أسست في الألف الرابعة قبل الميلاد، لكن ثلاثة رجال من يافا عايشوها وتذوقوا البرتقال الحزين فيها، كتبوا مسار الرحلة اليافاوية من فلسطين إلى كل العالم ومن العالم إلى فلسطين.ولعلك إن قرأت يافا للأبد في ثلاث دوائر عميقة في التاريخ و السيرة الذاتية للصحافي المقدسي البارز ناصر الدين النشاشيبي إذ يستعرض معك في صفحات الكتاب انطلاقة عمله الصحافي وبداياته حتى أصبح صحافيا كبيرا كما هي يافا كبيرة.
تتجول في صفحات الكتاب وانت ترى كيف كانت يافا شامخة على مر السنين، وكيف كسرتها آلة الاحتلال، وكيف كان لحكاية سقوطها أثر أليم في قلوب أبنائها وقد اختلطت أحزان الحروف بقلم الصحافي الأستاذ محمد سعيد اشكنتنا، إذ يكشف لك أسرار السقوط المدوية، ويكشف حكاية سقوطها الأستاذ صلاح إبراهيم الناظر.
سيرة يافا في ثلاث شهادات بين حلوها ومرها يعرض لك فضائح اقترفتها أيدي العرب، حينها فقط تعرف تماما حجم المصاب إذ إن قصة الصحافي مع مهنة السلطة الرابعة وفي يافا تحديدا لا تكون قصة عادية وتمر مر السحاب، لكنها تكشف للقارئ العربي أن أكبر معارك الصحافة كانت البرتقال وكان البرتقال سر وجود صحف فلسطين في يافا وحدها و كيف أن بعض المتطوعين العرب سرقوا محال بيع الخمور لكنها بلد الصحافة الفلسطينية والتسامح الديني كما يقول النشاشيبي في مستهل حديثه في الكتاب.
وحين تكون الخفايا مليئة بالأقوال المنقولة بالحرف والوثيقة، حينها فقط تدرك أنك أمام كتاب يكشف خطورة حقبة الانتداب البريطاني والتخاذل العربي في فجوات سياسية وعسكرية موجعة، حتى سقطت يافا وتركها العربان يتفرجون عليها أمام تكاثر اليهود كما يتكاثر البرتقال الحزين فيها.
إن أكثر ما نحتاجه اليوم وجود مثل هذا الكتاب ليس على رفوف المكتبة بل دليلا نحمله دوما ونقرأه باستمرار، ونحاول توثيق التجارب الشخصية لأن ما فيه هو الكنز الذي يتساقط من جسد الذاكرة الفلسطينية شيئا فشيئا، وهذه الذاكرة الوطنية مفعمة بسرد تفاصيل المكان وأهميته الإستراتيجية والتاريخية.
كتاب " يافا للأبد " في غاية الأهمية وقد حرص مؤلفوه على وجود ترجمة باللغة الإنجليزية ليتسنى لكل مهجر فلسطيني في دول الغرب أن يقرأ الحقائق والحكايات الحقيقية، وأن يتذوق نكهة البرتقال على الشاطئ الفقير بعروبة المدينة الآن، وقدم الكتاب خلية نحل متكاملة من خلال مجهود واضح في جمع صور عن المدينة العريقة وتاريخها، صور تروي الذاكرة و تمدك وتشغلك في تفاصيل الذاكرة اليافاوية.
يافا تلك الشاهدة على النزف العربي والطعن في خاصرة الوطن العربي " فلسطين "، يافا هي المدينة المزروعة في جغرافية المدن العربية الأساسية في تكوين الوطن العربي، وهي أصل وكمال المدن العريبة التي تنزف الآن دما و حصارا، كيف خنقوا حدود يافا على أهلها ومنعوا عنها الماء والسلاح؟!، وإلى اليوم يبقى التساؤل ملحا، لكن يافا للأبد يأخذك لتعرف الحقيقة بالوثيقة والأسلوب السهل الجميل و الأدب الناصع كلون برتقال يافا وصنعة الصحافة على يد شجعانها الثلاثة الذين قدموا هذا الكتاب.
على عروس يافا تآمر الطامعون وكانت الفضيحة الموجعة، لكن سؤالا وجهه محمد سعيد اشكنتنا الى جماهير الأرض المحتلة والعالم أجمعين " أين أدعياء الزعامة يثورون لكرامتك يا يافا ؟ وأين أشباه الرجال يتألمون لآلامك؟".