أنت هنا

قراءة كتاب ريترو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ريترو

ريترو

يتكئ فرحات على سيرته الذاتية ومحطاتها المؤثرة التي طبعت بميسمها شكل حياته ومزاجه الشخصيّ، ماراً باللحظات الأكثر حميمية وتأثيراً في ذاكرته، مستذكرا شخوصاً ولحظات حافظت على ألقها في ذاكرة الكاتب وظلت مُشعّة رغم مرور الزمن.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
6
 
عمـّي عطا
 
كنتُ في العاشرة من عمري عندما توفي. جاء الخبر سريعاً كالبرق فعصف بنا وجرفنا كتسونامي إلى قعر الكآبة والحزن . كان معنا قبل يوم من وفاته. مكث ساعات طويلة يلاعبنا ويداعبنا، ثمّ أمسكَ بيدي وأخذني إلى داره الّتي لم ينته بناؤها بعد بجوار بيتنا. شرح لي بتأنّ وصبر شديدين ما يودّ فعله، وكيف سيقسّم الغرف وناقشني وكأنّني كبير المهندسين. هكذا كان عمّي، يحدّث الصّغير والكبير على حدّ سواء. يومها، قال لأبي بعد أن سهر عندنا: سآخذ الأولاد معي للمبيت عندنا.
 
- بعدك ما شبعت منهم ؟ قالها أبي دون أن يبدي أيّ اعتراض لذهابنا معه.
 
كان عمّي في الخامسة والثلاثين، مطلقاً، وله ثلاث بنات يسكن وإيّاهنّ في بيت جدّي. كان البيت فسيح الأطراف، تتوسّطه ساحة هي مزيج من الصّخر الوعريّ المالس والباطون، وعلى جانب السّاحة ثلاث غرف بالإضافة إلى العلـّية وهي غرفة جدّي. أمّا العليّة فلها قصّة أخرى سآتي على ذكرها لاحقاً. في الجانب الآخر من السّاحة، بيت قديم هو مزيج من الباطون والطيّن وقد وُلدتُ فيه وعشت طفولتي الأولى، وإلى جانبه أيضاً مكان لأعمال النّجارة بالإضافة إلى ماكنة لتعبئة البطّاريّات الكبيرة الّتي كانوا يستعملونها لإشغال الرّاديوهات وأدوات أخرى لا أدري كنهها بالضبط.
 
ليلتها قال لجدّتي:
 
- شوفي ياما شو اشتريتلك، صحون ما بتنكسر.
 
ضحكت جدّتي، وقد كانت تعلم مدى مبالغته في وصف الاشياء:
 
- شو هالحكي في شي قزاز ما بينكسر ياما ؟
 
- يعني مش مصدقه، بدك تشوفي ؟ طيّب راح فرجيكي.
 
أمسك عمّي دزينة من الصّحون موضوعة فوق بعضها البعض وأفلتها أرضاً فتطايرت قطع الزّجاج وتطايرت معها ضحكاتنا وضحك هو الآخر دون أن يبدي أيّ انزعاج. حملني ليلتها على كتفه ثم لعبنا المصارعة ومكاسرة الأيدي حتى غلبنا النّعاس وأفقنا على صبيحة يوم مشئوم غيـّر حياتنا إلى غير رجعة.

الصفحات