يرمي الكاتب من خلال مجموعته القصصية "حوش الشاي" إلى تخليد الزمان والمكان في مدينة القدس، بسرد أحداث القصص في حارات وأزقة وشوارع البلدة القديمة ,
قراءة كتاب حوش الشاي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
وباء...
أطل الصباح بردائه الفضفاض، المدينة مريضة بمرض عضال، السوق بارد يفتقد لصراخ الباعة، أمكنتهم متاحة، ودرجات باب العمود خالية من الخضار الموسمية الطازجة، البوابات مغلقة بأجساد ضخام كالبغال النورماندية، أنا أبحث بينها عن خطوات متعبة ، كل شيء حزين، مسجد الشوربجي منكسر، بقالة أبو غزالة متعبة من قهر العيون الرمادية، شاخت أحزان الهوسبيس، وتقززت درجاته الخمس من بساطيرهم الملوثة بدماء أطفال المدينة، والمسيح لأول مرة منذ ألفي سنة ولّت، لم يشعر بالمهانة كما يشعر بها الآن، لم تعد فيرونيكا تنتظر حامل الصليب لتمسح بمنديلها الدماء التي سالت على وجنتيه وخلف أذنيه الطاهرتين، والقديس اليوناني (خرلمبو) عاجز عن توفير مسكن لأوجاعها المتراكمة، وخاصكي سلطان، تلك المرأة الشريفة، التي برَّدت بحنانها أوجاع الفقراء، تتقلب في قبرها قلقاً على مصير كتاتيب النور... لم أجد خطواتي رغم محاولاتي المتكررة اليائسة في البحث بين متاهات أحقادهم المتأججة... سرتُ في كل اتجاه، هم لا يعرفونها، فأنا أعرف مدينتي، وأعرف ما يمكن وما لا يمكن لهم أن يعرفوه، لكنهم متواجدون في كل ركن، وفي كل زاوية وزقاق، تعلموا جغرافيتها ونحن نسينا، تعلموا أسماءَها وبدلوها، تعلموا أننا نصرخ وندعي ونساوم، سخروا منا عندما بدلنا جلودنا... تعلمونا وحفظونا عن ظهر قلب، ونحن فقدنا حلمنا على أول الطريق في أيلول... تركنا المدينة لقمة سائغة، تركناها لقمة لذيذة يستلذون بطعمها، ويشربون النبيذ الأحمر في أمسياتهم، يحتفلون بها بعد أن ألبسوها ثوبا بلون أسود كقفطان راباي بولندي لم يقرب جسده الماء منذ السابع من حزيران فزادت نتانته.
لم أعد أعرف ما برأسي فأنا غريب في حارتي العتيقة، وبيتي يئن من الوجع، والمئذنة الحمراء يكاد الحزن يفتك بها بعد أن غادرها آخر مؤذن... وجوقة التراتيل في الكنيسة اللوثرية قد فقدت توازنها، فصارت لأول مرة موسيقاها نشازًا... ولم أعد أرى قبة الصخرة من فوق برجها المخروطي؛ فقد حجبت راياتهم الزرق الرؤيا، والأسطح مُلئت بأبراج الحراسة، وجحافل المستوطنين بردائهم الأسود يسيرون بخط مستقيم كنمل سليمان الحكيم...