رواية "المشوهون" رواية كتبها الكاتب توفيق فياض ونشرها عام 1963، وخصص بها احداثا جرت في مدينة الناصرة التي تعد العاصمة الثقافية السياسية والاقتصادية للاراضي الفلسطينية وسكانها الذين بقوا تحت نير الاحتلال.
قراءة كتاب المشوهون
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
كان يلذ أن أراها كل صباح وهي تأتي إلى المدرسة. وأن أرقبها إلى أن تنضم إلى إحدى حلقات الطالبات، بينما أنضم أنا إلى إحدى حلقات الطلاب القريبة منها.. أو أنزوي إلى جذع التينة أتابع حركاتها خلسة خشية أعين الطلاب. كنت أشعر بلذة عميقة دافئة كلما كانت تأتي بحركة في مزاحها مع الفتيات.. فترقص لها مشاعري، وكأنها تحرك بها وترًا خفيا من أوتار السعادة المسجونة في أعماقي.
وكم كان مضحكا أن أحلم في تلك اللحظات من النشوة الغامضة، بتلك القبعة السحرية التي كانت تملأ علي ليالي طفولتي مع حكايات جدتي. فأحلم بامتلاكها ولو إلى لحظات.. تماما كما كنت أحلم في طفولتي لامتلاك حاجة تحظرها علي أمي.. علني أحظى بقرب نوار، وامتلاك ذلك الجسد المتثني بدلاله الفاتن دون أن يراني أحد. فأظل مستغرقا في تلك الأفكار تمنحني بسلطان خيالها، لذة مبهمة رائعة، ما تلبث أن تفلت مني مع قرعات الجرس.. أو دعابات سامي.
هكذا كانت الأشهر الأولى، تمر بي أيامها مزيجا من النشوة والألم.يتوزعهما كل من نهاري وليلي. بينما كان حبي لنوار يكبر مع إشراقة كل صباح. ويتأجج في أعماقي مع انسدال كل ليل. فأقذف بكتابي، لتقذفني فوضى غرفتي إلى تلك الحانة الصغيرة.. ومن ثم إلى ظلام الشارع لأتسكع وطيفها، الذي كان يرافقني كل خطوة عليه، حيث تبدأ عند انحناءة الدرب المؤدي إلى المدرسة، إلى أن تنتهي حيث المنحنى المؤدي إلى منزلها.
لم يكن ليبقى لي من ذلك الحب العاثر في آخر كل ليل، غير الخيبة واحتقاري لنفسي لما كان يعتريني من شعور في عبث وجودي، وتفاهة شبابي. فقد كانت تتجاهل حبي لها، وتمعن في أعراضها عني.. فتزيد من جنون كبريائي لامتلاكها.... ومن أنانية حبي لنيلها.
كانت تلاحظ مني اهتمامي بها وولهي المجنون عليها فتقابل نظراتي بالنظرات المتسائلة أحيانا، وبالنظرات الخلية المتوددة أحيانا أخرى.. مما جعلني كلما صممت على مصارحتها بحبي، أشعر وكأن حاجزا يمنعني من ذلك. إذ كنت أخشاها، بل وكنت أخشى نفسي التي لم تكن لتستقر على حال أو شعور.. فتموت جرأتي لمصارحتها عند مقابلتها. كي لا يكون فيها موت ما كنت أدعيه من كبرياء، إذا ما نبذت حبي.. فتزيد بذلك من ازدحام ذلك السديم الخانق من حولي، وتغرق خلف غمامه القاتم آخر مرفأ أنظر إليه في الأفق البعيد. أقود إليه سفينة الضياع من عمري.. ليكون عليه آخر محط لها.. وآخر مرسى.