المجموعة القصصية "أقصى الحديقة" صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، وهي المجموعة القصصية الثامنة لميسلون هادي، وتضمنت خمس وعشرين قصة قصيرة.
أنت هنا
قراءة كتاب أقصى الحديقة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
- كلا لم أرمها··
- ماذا فعلت بها إذن؟
- أرجعتُها إلى مكانها ورسمت عليها علامة الصح بالقلم الماجك لكي لا أُخرجها بالخطأ مرة أخرى··
- آه منك·· إذاً أنت تعرف أنها بيضتي المسلوقة ؟
- طبعا أعرف··· بابا يقول كانت ماما تحب الشاي بارداً والبيض المسلوق بارداً·
لا يدخل رأسه من نافذة السيارة قط إلا أن يقول السائق قد وصلنا·· يكون المكان هو الكوخ الذي وجده على ضفة بعيدة في دفتر الرسم، يشبه بيتاً صغيراً يحيط به البط وتعلوه غيمة واحدة·· يودعه أطفال الخط صاخبين· وعندما ينزل يجد ركناً بلا ناس تجاوره قنطرة تعبر عليها العنزات الثلاث·· يمر به الليل فلا يشعر بالخوف، ويأتي الغروب فلا يشعر بالوحشة·· كأن الخنفساء هي أجمل جارة ممكنة لشجرة البرتقال··· وتحتها بقايا جذور مغطاة بالتراب، وفوقها الأنجم هي نمنم أبيض اللون، والعنكبوت قد اختفى من الساعة التي تشير إلى العاشرة·· وبدون أن يعلم اختفت الخنفساء أيضاً تحت جذر الكمثرى اللذيذة·· هل تعلمت كيف تقرأ الساعة؟ نعم تعلمت·· كم الساعة الآن؟ العاشرة·· ثم يتركني ليتمرجح على الحبل الممدود بين عمود مستقيم وآخر معوجّ·· وهناك تمرجحت أنا أيضاً ذات يوم، ودفعنا الهواء العالي إلى أقصى الحديقة·
الوقت لا أشعر به يمضي، بين ليل أقضيه في نوم طويل ونهار يطير··· أفضّل الصمت على الكلام فوق صخرتي التي تشبه الجدار المهدم·· أتوسطها بين ورقتين من الخباز، وأنا أجلس في المنتصف· ألتفت يمينا ويساراً لشعوري بالأرق، ولكنّ الكل نائمون·· يدهشني أنني لم أكن أشعر بالحزن لذلك·· أنا لا أشعر بالخوف أيضاً·· لأني لن أتذكر الذي حدث، ولن أشعر بأني أريد أن أتذكر مرة أخرى·· لدي شعور مؤكد بأني سأرى أهلي مرة أخرى، عدا أخي·· وحده الذي شعرت بموته إلى الأبد، لأنه قتل في الحرب·· أتذكر ركضه يوم قتل في الحرب·· ومن ينزف ويتلطخ ثوبه بالدم الغزير يموت موتاً أخيراً بالنسبة لي، وكذلك من يسقط من مكان عال جداً فإنه سيموت الموت الأخير، ومن يموت غرقاً طبعاً·· أما أهلي، فهم في هذا المكان·· لم يركضوا في الحرب·· ولا سقطوا من مكان عال·· ولكنهم فتحوا الباب وخرجوا إلى الشارع ·· فتلطخت عيونهم بالملح·· وأصبحوا لا يشعرون بالخوف من هذا المكان·· لدي إحساس غريب بأن أهلي موجودون في هذا المكان، ولعلهم يبحثون عني الآن وسنلتقي في مكان جديد·· لن نركض أو نتحدث بصوت عال بعد الآن أو نتذمر من العمر الطويل··