يرحل زيد الشهيد في مؤلفه الروائيّ (أفراس الأعوام) بقطار الشعريّة إعتماداً على لغة ثريّة منطلقاً من أواخر خمسينيّات القرن العشرين عائداً إلى عشرينيّاته ليواكب حركة بطله وهو يرى الأحداث الّتي تعصف ببلده العراق إبتداءً من ثورة العشرين ومجيء الحكم الملكيّ الذي
قراءة كتاب افراس الاعوام
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
ولأنَّ الوباء يعمُّ الجميع فقد تناهض سكان المدينة· وصارت اللقاءات تتم في بيت فارض العلوان، فيحضرها جابر الدخيل ورجالاته؛ أو في ديوان جابر فيدخل الجميع في حوارات جادّة· يتناقشون في خطط منع العدو من الاقتراب من سور المدينة أو التخطيط لغارات مباغتة تتم خارج السور، ثم يعود المغيرون بخطفة جناح بعد إتمام المهمة· اختاروا لهذا الفعل شجعان المدينة ووقع رأيهم على أخي حميد واحداً منهم، لما يمتلكه من شجاعة ونباهة وروح فدائية· وضع الجميع في حسبانهم أن العدو يجب أن يندحر قبل أن تمس أصابعه الشريرة خشب أبواب السور الحصينة· وللحق أقول إن قائد المغيرين كان ذكيّاً ونابهاً· تركَ المدينة بعد حادثةٍ ذكيّة تمثَّلت فيها الحكمة على أقدر ما يكون، وتعالى دهاء الرجال بأرفع ما يُرجى· حادثة ظلت تتناقلها الأفواه في الدواوين والمقاهي والجلسات·
ذلك اليوم المشوب بالتحاور والتساجل في أمرٍ جلل يتعلَّق في اتخاذ قرار يتطلَّب الصواب ولا يقبل الإخفاق، وقف جابر الدخيل وفارض العلوان في أعلى السور· تطلعا يحصيان أعداد المغيرين المرابطين عن قرب، هالهم العدد إذ أبصرا ما يربو على الخمسين خيمة منصوبة باتساق وأكثر من ثلاثمائة ناقة، وعدد يتجاوز الأربعين من الخيول النافرة القوية؛ فلهما بعد ذلك أن يحصيا عدد المقاتلين· وقد تقصد قائدهم الوهابي الدنو من السور والمُرابَطة ليثير في نفوس أهالي المدينة الرعب ويسقط مدينتهم بلا قتال، بل باستسلام مهين ثم بعدها يعيث بهم قتلاً وفتكاً وتشريداً، وسلب أموال وتدمير بيوت وتجريف مزارع وسحق ثمار وطعن كرامة وتقويض حال· كان بمقدورهما مشاهدة القائد البدوي خمسيني العمر (كان بدوياً جلفَ الملامح، أصفر البشرة، خفيف الشارب، كثيف اللحية، متعجرف، مستكبر· يهابه الجميع، فيتحركون من أمامه وحوله كخدمٍ ورعاع· له عينان رغم تقادم الزمن على حيويتهما ما زالا يحتفظان ببريق يسكب دهاءً دافقاً برغبة الاستحواذ على ما يرى ويتخيل، وعطشاً متراغياً للحياة ونزوعاً دفيناً للسيطرة وحب النفوذ)· يجلس في مقدمة خيمته الوسيعة الحجم وقد فرشت له ولقادته الذين يشاركونه الجلسة البسط الصوفية المطرزة والوسائد الوثيرة، يعتمرُ عقالاً مربعاً وكوفية مرقطة ببقع حمراء تبدو كما لو كانت بقع دماءٍ أرادها أختاماً لنزوعه الشديد في القتل، هويةً له تناهض ثوبه الأبيض المائل إلى الصفرة الشبيهة بصفرةِ محِّ بيض الصقور··· كان خُدّامه يتحركون مُلبّين أمراً لمجرد إشارةٍ من يدهِ أو طأطأةٍ من رأسه·
أبصراه محبّاً لشرب القهوة بالفناجين الزجاجية التي تتحرك كثيراً قرب فمه، مثلما شاهدا بشرة وجهه السمراء الصفراء الكالحة، وملامحه العابسة الغضوب· فكّرا بما يصيبه فيتسبب بفرط عِقد يلمّه· وتباحثا عن رامٍ يستطيع أن يصيبه في القلب، فيقضي على عنجهية الدمار ويسحق المقاصد الوحشية المتناسلة في القلب الحقود· في خضم التحاور استقر الرأي على أخي حميد كَرامٍ يجيد استخدام بندقية البرنو ذي التأثير الفاعل ليتولى مهمة معالجة هذا الهدف الثمين، لما يتمتع به من رصد مُحكمٍَ وتصويبٍ باهر·