"ماري حمالة الحطب"؛ عمل روائي للكاتبة اللبنانية هنادي غزاوي الصلح، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ومسرح الرواية هو لبنان.
قراءة كتاب ماري حمالة الحطب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
2
سنتان وأنا أحاول عبثاً التحرر من فكرةِ أنني فقدته ولن أعود قادرة على استعادته، أن أمنحني الحق في الحياة، وبرغم ما بذلته من محاولات وجدتني عاجزة عن فعل ذلك·
بعد عامين على موته، بعد الفجيعة والوحدة الباردة التي اجتاحت سريري، تطلّعتُ في المرآة لأرى ما طرأ على ملامحي، فإذا بي امرأة من تجاعيد، بعينين بلا بريق ومحجرين متغضنين· وجنتاي، شفتاي، عنقي، شعري، خطواتي التي بدأت تضيق، كيف للحياة أن تعود إلى شجرةٍ تحتضر؟
كأنني لم أعرفني قبل هذا اليوم، صرت امرأة أخرى، امرأة ما بعد موته، وقد تحولت من امرأة ترثي زوجها إلى امرأة ترتدي ثياب الحِداد وترثي نفسها·
عبثاً، حاولت (أمل) إقناعي:
- كي لا تتوقف حياتك، انبذي السواد أو زيّنيه على الأقل بالأبيض، البنيّ والرماديّ، إنها ألوان تدلّ على الحزن أيضاً، افعلي ذلك من أجلك، لا تترددي كثيراً بتغيير السواد·
في ذلك اليوم شعرت أن أفضل ما بوسعي منحهم إياه هو الوعد بألوان قزحية في العيد الذي كان سيحلّ قريباً، وحده أحمد أدرك بفطرته أنني لم أكن صادقة، عرف ذلك من نبرتي المترددة ومن عينيّ الهاربتين إلى الزوايا البعيدة·
حلّ العيد وحلّت بعده أعياد ومازلت أرتديه، شعرت لبرهةٍ أنه لم يعد ثوبا أو لوناً، كان يمثّل حمايةً حقيقيةً من العيون الجائعة والشفاه الشرهة ويمنحني وِقاراً يدفعهم إلى أن يترددوا كثيراً قبل الإقدام على شيء·
- مرت سنتان وهي ترتدي السواد على فراس، ما أخلصها!!!·
آه لو أدركوا الأمر كما أعرفه، لو أدركوا أن السواد لم يكن على فراس وحسب، بل كنت أرتديه على نفسي ومن أجلي أيضاً، لأنها طريقتي في أن أستبقيه معي، وأن تحفل حياتي بوجوده وإحساسي بالأمان معه·
إلا أنه تسرب خلسة ذات ليلة شتائية، كان البدر يتخفّى وراء الغيوم المشعّة بضيائه شاهداً لأحرس روحه، كنت قد تعرفت على الموت يوم رافقنا طيفه ليجلس أمامنا على مقاعد الطائرات وأسرّة المستشفيات، يلفحني بلهيبه معلناً عن حضوره وأنا أرفسه، أركله، أرميه بعيداً، أتطلّع إلى أيام أخرى نستهل بها سعادتنا حاملة فراس فوق كرسيّه المدولب من مكان إلى آخر، مستمدة عزيمتي من الإيمان والأمل والحب، كنت متشبّعة به على نحو جعلني أرشح من شدة حبه، فكيف لا أفيض عليه بأنهار حبي، تلك الأنهار التي ملأها كواكبَ تشعّ ببريق الأبدية·