قراءة كتاب الديك والدجاجة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الديك والدجاجة

الديك والدجاجة

في كتاب "الديك والدجاجة" لا يستطيع الكاتب والأديب فخري قعوار مفارقة أسلوبه الساحر حتى لو أراد أن يقول كلاماً جاداً، كأن يشرح العلاقة الشائكة بين المرأة والرجل، ورغم روح السخرية الطريفة، إلا أنني على قناعة بأن لا وصف لتلك العلاقة يشبه وصف ذلك العنوان المختصر

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 1
قبري··· وقرب أمي
 
كلما مر عيد الأم، أو كلما اقترب أو ابتعد، أعود إلى رواية الكاتب الأميركي الجنسية والأرمني الأصل وليم سارويان، أمي·· أحبك، التي ترجمتها الكاتبة المصرية جاذبية صدقي، وأصدرتها في القاهرة عام 1958· ويمتاز هذا الكاتب الكبير، ببساطته الشديدة، وعفويته البالغة، وكتابته التي ينطبق عليها القول العربي المعروف السهل الممتنع، فمن يقرأ لسارويان، يشعر أن بالأمكان تأليف رواية مثل روايته، ولكن إذا حاول ترجمة ذلك إلى ممارسة، يدرك كم هو واهم، وكم هو ذو إمكانية ضئيلة أمام إمكانية سارويان· وتقول جاذبية صدقي في المقدمة، حول هذه النقطة بالذات، أن موضوع هذه القصة بسيط ورقيق ولا تعقيد فيه، كزهرة البرسيم التي تتمايل غضة رقيقة تحت أنضارنا جميعاً، ولكن من يستطيع خلقها؟ وكذلك الموضوعات الإنسانية التي تجيش بها دنيانا، والتي نعيشها نحن، ونسعد بها نحن، ونتعذب بها نحن، ومع ذلك، نمر بها مرور الكرام، إلا الفنان، فإنها تتخلل خلايا أعصابه المرهفة، فينتفض منفعلاً، ويلتقطها من حوله بسن قلمه الحساس، في مهارة وعبقرية، كأنها لؤلؤ منثور مدسوس في تراب، ثم يسطرها على الورق نابضة حية، ويقدمها عملاً فنياً كاملاً، يبهر العقلاء، ويهز البلداء، ويوقظ النائمين· والحديث عن هذه الرواية وعن مؤلفها يحتاج إلى عشرات الصفحات والمقالات، ولكن أبرز ما فيها، هو توجه المؤلف نحو المجتمع الأميركي، الذي هو مسرح أحداث الرواية ومكان حركة ابطالها، مما جعله يعزز درجة الانصراف نحو المحلية، التي تقود في النتيجة إلى العالمية التي حققها سارويان، وأوصلته إلى الناس في كل أرجاء المعمورة· كما أنه استطاع بمهارته الفائقة أن يتقمص شخصية طفلة تبلغ من العمر تسعة أعوام فقط، ويروي القصة كاملة بلسانها، مما أكسبها قوة التأثير التي من النادر أن تملكها رواية أخرى أو يملكها روائي أخر· ومما قاله وليم سارويان بشكل غير مباشر، وترك الفرصة للقارىء كي يستنتجه، أن كل طفلة تحب أباها، وتحب أمها، وتحب أن يعيشا بسعادة ووئام، وهي تسأل أمها عن أبيها إذا غاب، وتسأل أباها عن أمها إذا غابت، وإذا وقع الطلاق بين الأم والأب، فإنه أمر رهيب ومفزع ومدمر للأطفال، لأنهم لا يستطيعون أن يتصوروا فراقاً بين أكثر اثنين في الدنيا يحبونهما ويتعلقون بهما، فالأب ليس شخصاً عابراً في حياة أبنائه، مهما بلغ من العمر، وكذلك الأم، ألا أنها تتميز عن الأب بأنها تستقر في سويداء القلب، وفي أعماق الوجدان، وتتغلغل جذورها في الدم والشرايين من الميلاد إلى الموت· وإذا كان الطلاق صاعقة تقع على رؤوس الأطفال، فإن موت أحد الوالدين أو كليهما، يدفع في النفس أمواجاً من القنوط وفقدان الثقة بانسيابية الحياة وسلاستها· غير أن العزاء يكمن في فرحة الأطفال الذين يعيشون في وئام وانسجام داخل اسرهم، وفي ابتسامتهم المتدفقة الأكثر حضوراً من حالات الحزن والتجهم والتفكير في قبور الأمهات! وعلى سيرة قبور الأمهات، فإني أشعر بعد رحيل أمي قبل أكثر من سنتين، أن قبري يجب أن يكون إلى جوار قبرها· لأنني لا أستطيع أن أتقرب منها بعد موتي إلا بالدفن المجاور لمدفنها·
 
شباط 2000

الصفحات