قراءة كتاب حفيد الـ (بي بي سي)

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حفيد الـ (بي بي سي)

حفيد الـ (بي بي سي)

تتحدث رواية "حفيد البي بي سي" للروائية العراقية ميسلون هادي؛ عن صداقة النساء مع الراديو من خلال شهرزاد الجدة التي ولدت في الناصرية وتزوجت ممتاز قارئ المقام من كركوك ثم خلفا ست بنات وثلاثة أولاد توأم وبعد ذلك إثنين وعشرين حفيداً بينهم بطل الرواية عبد الحليم.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
قال لها: المقام يعني السُّلَّم أو النغم· أما المقامات العراقية فهي مجموعة نتاجات غنائية معينة مؤلفة مسبّقاً بالضبط والتمام، وحين يقرأ قارئ المقام مقام الرست فإنه يعيد غناء هذا المقام المعين بالضبط كما أخذه عن أسلافه من قراء المقام العراقي· ولذلك مثلاً حين يذكر مقام البهرزاوي حتى لدى قراء المقام أنفسهم يُذكر كما غنته صديقة الملاية كأحسن مثل لقراءته· وبطبيعة الحال يكون في تركيب كل مقام عراقي أحد المقامات كالرست والبيات والصبا والسيگاه والمخالف والحجاز والنهاوند، نظراً إلى أنه لا يمكن أن تكون هناك موسيقى بدون أن يكون لها مقام أو نغم خاص بها· ولكنّ بناء المقام العراقي لا يقتصر على هذا فقط، بل إن لتركيب المقام العراقي قواعد أساسية تختلف في تركيبها عن سائر المؤلفات الغنائية حتى في الموسيقى العراقية نفسها· وعلى الملحن الذي يضع مقاماً جديداً أن يلتزم بهذه القواعد وإلا فلن يعتبر نتاجه مقاماً عراقياً· فهناك مقامات تغنى بالقصيدة وهناك مقامات تغنى بالموال العراقي أو الزهيري·· فإذا غنى واضع المقام مقامه بالقصيدة فعلى كل قارئ أن يغني ذلك المقام بالقصيدة من بعده وإذا غنى واضع المقام مقامه بالزهيري فعلى كل قارئ مقام ان يغني ذلك المقام بالزهيري من بعده·· وضرب لها مثلاً بما حدث للقبانچي حين كان في برلين سنة 1929، لتسجيل بعض المقامات العراقية، فوصله نبأ غير صحيح بوفاة والده· ولكي يعبر عن مشاعر الحزن لدى تلقّي هذا الخبر وضع مقاماً من نغم اللامي أسماه مقام لامي، وخلافاً لكافة المقامات المعروفة غنى القبانچي هذا المقام مع أبوذية· فقد وجد في (الأبوذية) أفضل تعبير عن حالته النفسية تلك اللحظة·· وهكذا أصبح كل من يغني ذلك المقام يغني بعده (يلي نسيتونا يمتى تذكرونا)·
 
كان ممتاز يحصل على قران واحد كأجر يومي عن حفلاته الغنائية، يتقاضاه عن تعلولة من تعلولات المقهى التي كان أشهر روادها رضا الشاطئ ورشيد القندرجي وفخري الزبيدي ويعزف فيها الجالغي البغدادي الذي حرّمه العثمانيون على المسلمين أيام حكمهم للعراق، فكان يعزف فيه ذلك الزمان عازفون من اليهود فقط من أمثال يوسف بتو وصالح شميل ويهودا شماس· ولكن الوضع تغير فيما بعد وأصبح المسلمون، من أمثال شعوبي إبراهيم والحاج هاشم رجب، يعزفون أيضاً فيه· وفي ليالي رمضان كان يُؤتى بمطربي المربعات علي الدبو وعدنان الشيخلي وفاضل رشيد، لإحياء الحفلات بعد لعبة المحيبس· ذلك القران كان يعادل عشرين فلساً في زمان الفلسان الذي كان فيه الدينار المكون من ألف فلس يكفي معيشة شهر كامل، وكان نوط المئة دينار المكون من مئة ألف فلس، يكفي لشراء منزل·· هذ القران المكون من عشرين فلساً هو نفسه أجر أخيه المسّاح أنور، والذي عمل في بناء الجسر الحديدي في المسيب عام 1937م، فخلده قُرّاء المقام ببستة شهيرة تقول: حيّك بابة حيّك·· ألف رحمة على بيّك·· هذوله العذبوني·· هذوله المرمروني·· وعلى جسر المسيب سيبوني·
 
لا يزال ممتاز يحتفظ بحبزبوز وقرندل والزمان وصحف قديمة أخرى كـصوت الفلاح والتآخي التي نشرت له بحوثه الموسيقية عن الحافظ عثمان الموصلي والملا ماشاء الله المندلاوي والقارئ رحمة الله شلتاغ الكركوكلي سيد المقام العراقي ومبتكر مقام التفليس، وهو من مقام السيكا المنسوب إلى تبليسي عاصمة جورجيا، وقد جلبه أحد المشاركين في الحرب العالمية الأولى مع الجيش العثماني في القوقاز· كما قام بنقل العديد من المقامات من كركوك إلى بغداد، كمقام القوريات ومقام الموجيلا الذي ابتكره قارىء المقام موجي الكركوكلي والذي سمي بمقام المدمي في بغداد·
 
ما ضجرت شهرزاد قط من حكايات زوجها ممتاز المخملية، ولم تجدها تتعارض مع ملايين المرات التي كوت فيها الملابس وشلّعت فيها أقراص الخبز أو غسلت الشراشف المليئة بروائح التأوه والتمني···· وذلك كله لم يكن يتعارض أيضاً مع آلاف الحكم تنطق بها والتي لم يسمعها حفيدها عبد الحليم من امرأة قط··· كانت تقول لا تكرهوا من هو أفضل منكم، بل تعلموا منه شيئاً واحداً فقط فتصبحوا أفضل منه··· كل شخص تغارون منه تعلموا منه شيئاً واحداً فقط فتصبحوا أفضل منه·· وهذا ما وجدها تتعلمه من كل امراة تعاشرها أو تراها أو تسمع عنها أو تغار منها·· فتعلمت حبها للحُلي والزينة من شبعاد، الملكة السومرية المنحدرة من نهاية العصر السومري الحديث في أور، والتي خطفت الزهرات الثلاث البديعة فوق رأسها، نظر شهرزاد عندما رأتها في المتحف····· وقرب نينوى، التي زارتها في أعياد الربيع، رأت تخطيط أميرة الحضر محفوراً على جدار المعبد الثالث، ففتتنت بوجهها المعبر وجسمها الممتلئ وملابسها المليئة بالكسرات والطيات ووشاحها المنسدل على كتفها وظهرها حسب تقاليد الحضر، أما عندما مرت بخرائب قصر شيرين في خانقين الواقعة على الحدود العراقية الإيرانية، فقد أُعجبت بقوة المرأة الميسانية شيرين، إمبراطورة ساسان وزوجة خسرو الثالث التي جعلت زوجها كسرى يخضع لإرادتها ويسكن في المدائن على ضفاف دجلة لتكون قريبة من أهلها العراقيين·· ومن فدعة شبيهة الخنساء استوحت البطولة عندما كانت ترافق عشائر الخزاعل في قتالها مع عشائر المنتفك وزبيد·· لم تكن سوى ابنة صريفة في أرياف الرميثة ترعى الجاموس وتصنع اللبن والقيمر، ولكن مقتل أخيها حسين فجر شاعريتها فلبست الأسود ما تبقى من حياتها وقالت أجمل المراثي، كما واظبت على حضور مجالس امبراطورة النواح أم علي، وتعلمت منها قول الملاحم في عاشوراء ورفع حرارة الموقف وسط النساء النائحات وبين مساعداتها الندابات القوّالات، حيث تمتزج أحياناً طقوس الموت بطقوس الفرح، فتدور صينية القاسم بالحناء والشموع والآس على النساء وتطلب العذروات المراد من يوم القاسم، ثم ينتهي فاصل الفرح بإطفاء الشموع وسكب الدموع تمهيداً لطقس العرس الدامي وموعد القاسم ابن الحسن مع الموت·· كان قد عقد قرانه على ابنة عمه سكينة ابنة الحسين تنفيذاً لوصية أبيه الحسن، ولكن الدخول لم يكن على فراش العرس بل على تراب الموت والدم·· فأصبحت عروس القاسم هي المراد المرتجى بين العذروات الراغبات بالزواج·

الصفحات