هذا الكتاب لا يعتمد على التحليل النقدي لأعمال المخرج الإيراني الشهير عباس كيارستمي – وهي مهمة جوهرية، أساسية، وضرورية، لكنني لا أحسن القيام بها – بل يركّز بؤرته، هذا الكتاب، على ترجمة الحوارات التي أجريت مع هذا المخرج، المستمدة والمجمعة من مصادر مختلفة ومتع
أنت هنا
قراءة كتاب عباس كيارستمي: سينما مطرزة بالبراءة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

عباس كيارستمي: سينما مطرزة بالبراءة
الصفحة رقم: 8
- كنت وحيداً جداً· تعلمت كيف أركّز بدافع الضرورة أو الحاجة الملحّة· في ميونيخ كانت العائلة بأسرها تعيش في حجرة واحدة فقط· أربعة منا في ذلك الحيّز الصغير، وكل منا يمارس أشياءه الخاصة· كنت أستلقي على ظهري فوق أرضية الحجرة، ومعي كتاب أقرأ فيه لساعات، غير مكترث بالأحاديث والأفعال التي تدور حولي· غالباً ما كنت أقرأ طوال النهار، وعندما أنتهي، أتطلّع حوالي لأكتشف بأن الجميع غادروا الحجرة منذ ساعات·
في الواقع، أخي الأكبر تيلبرت هو الذي تولى مسؤولية العائلة منذ انتقالنا إلى ميونيخ· لم يكن يميل إلى المدرسة، لذلك طُرد منها بعد سنتين· مباشرة شرع في العمل في مجال التجارة، وحقّق نجاحاً سريعاً، بعدها انطلق صاعداً مثل مذنّب عبر الطبقات الاجتماعية· عند بلوغه السادسة عشرة من عمره كان المعيل الرئيسي في العائلة، وبفضله صرت قادراً على مواصلة الدراسة، مع أنني كنت أعمل وأعيل نفسي كلما سنحت لي الفرصة· أنا حقاً مدين له بالكثير·
أخي الأصغر لوكي هو الشخص الذي عملت معه عن قرب طوال سنوات· هو أخي من جهة الأم، لكني أعتبره شقيقاً· كانت لديه موهبة موسيقية عظيمة لكنه أدرك سريعاً بأنه سوف لن يكون بارعاً بما يكفي ليتنافس مع عدد وافر من عازفي البيانو· لهذا انخرط في التجارة أيضاً، وبدوره انطلق مثل مذنّب· وأظن أن ذلك أفزعه، إذ سرعان ما رحل إلى آسيا ليستقر هناك فترةً من الزمن، زائراً الهند، بورما، النيبال، أندونيسيا· كتبت إليه رسالة أطلب منه المساعدة في إنتاج فيلم أغيري Aguirre، وقد عبَرَ المحيط الهادئ حتى بيرو ليقدّم لنا ما نحتاجه من عون· انتهى به الأمر إلى العمل معي بدوام كامل، مديراً شركة الإنتاج السينمائية الخاصة بي·
هل هيرزوغ هو اسمك الحقيقي؟
- عندما انفصل أبي عن أمي، أصبح اسمي الشرعي ستيبتك Stipetic، الذي هو اسم أسرة أمي قبل الزواج· اسم هيرزوغ يعني دوق باللغة الألمانية·· وكنت أظن أن هناك شخصاً ما - مثل الكونت باسي أو الدوق إيلينغتون - يحقّق أفلاماً· أي شيء يحميني من شر العالم الساحق·
ما هي الأفلام الأولى التي شاهدتها؟
- كان هناك مشغّل جهاز عرض جوّال بين المدارس الريفية النائية، والذي يجلب معه مجموعة من الأفلام مقاس 16 ملي· عندما بلغت الحادية عشرة شاهدت أول فيلمين في حياتي· ومع أنني كنت مصعوقاً تماماً بإمكانية وجود هذا النوع من الأشياء، إلا أنني لم أكن مفتوناً جداً بالفيلم الأول، والذي هو عن سكان الاسكيمو وهم يبنون كوخاً من ألواح الثلج على شكل قبّة· الفيلم اشتمل على تعليق ثقيل وأخرق، وكان مضجراً جداً· بإمكاني الجزم بأن سكان الاسكيمو لم يكونوا ينجزون عملاً جيداً· الفيلم الثاني عن أقزام يبنون جسراً من النبتات المتسلقة عبر نهر غابة في الكاميرون، كان أفضل قليلاً· الأقزام عملوا على نحو جيد، وتأثرت كثيراً لأنهم استطاعوا أن يبنوا مثل ذلك الجسر بطريقة جيدة، وبلا أدوات حقيقية· كنتَ ترى الواحد من الأقزام يتأرجح عبر النهر بواسطة النبتات المتعرشة أو المتسلقة، تماماً مثل طرزان، ويتدلون من الجسر المعلق مثل عناكب· كانت تجربة حسّية بالنسبة لي، ولا زلت أميل إلى الأقزام لأنهم بنوا الجسر بتلك الطريقة·
في ما بعد شاهدنا أفلاماً مثل: زورو، طرزان، دكتور فومانشو·· أغلبها أفلام أمريكية رخيصة، ذات ميزانية ضئيلة، مع أن أحد أفلام سلسلة فومانشو كان بمثابة لحظة كشف وإلهام بالنسبة لي، ففي هذا الفيلم يصاب شخص بطلق ناري ويسقط من صخرة ارتفاعها 60 قدماً، وهو يتشقلب بحركة بهلوانية في الجو ثم يقوم بحركة ارتدادية صغيرة بساقه· بعد عشر دقائق، اللقطة ذاتها تظهر في معركة أخرى بالبنادق·· وقد تعرّفت على اللقطة من ذلك الارتداد· لقد قاموا بإعادة استخدام اللقطة معتقدين أن باستطاعتهم خداعنا من غير عواقب· بعدها تحدثت إلى أصدقائي عن هذا وسألتهم: كيف يمكن للقطة ذاتها أن تُستخدم مرتين؟
قبل هذه اللحظة كنت أحسب أن ما نشاهده على الشاشة هو ضرب من الواقع، وأن الفيلم شيء شبيه بالوثائقي· فجأة صار بوسعي أن أفهم كيف يتم سرد الفيلم ومونتاجه، كيف يتم خلق التوتر والتشويق· ومن ذلك اليوم فصاعداً، أصبحت السينما، بالنسبة لي، شيئاً مختلفاً·
تحدثت مراراً عن إعجابك بأفلام مورناو F. W. Murnau·· متى كانت المرة الأولى التي شاهدت فيها الأفلام التعبيرية الألمانية المنتجة في العشرينيات؟
- في طفولتي لم أشاهد أياً من تلك الأفلام· في الواقع، لم أشاهد تلك الأفلام التعبيرية إلا بعد سنوات، بعد أن سمعت لوته إيسنر(5)(Lotte Eisner) تتحدث عنها في برلين·
هل سنحت لك الفرصة لمشاهدة أيٍ من الأعمال الطليعية التي نُفذّت في تلك الفترة؟
- أذكر عندما بلغت الحادية والعشرين، جاء إلى ألمانيا شاب يدعى ب· آدمز سيتني Sitney(6)) وأحضر معه العديد من الأشرطة السينمائية، من بينها أفلام لمخرجين طليعيين مثل ستان براكهيج وكينيث أنجر· مشاهدة تلك الأفلام المختلفة تماماً عن ما تعودت أن أشاهده في السينما، تركت في نفسي أثراً قوياً، حتى لو لم تكن تلك الأفلام تنسجم مع ما أردت أن أعمله· إن مشاهدة أعمال أفراد جسورين جداً، يقدمون أشياء مختلفة على نحو غير متوقع، أثارت اهتمامي كثيراً، إلى حد أنني كتبت عن تحقيق الفيلم الرؤيوي في مقالة نشرت في إحدى المجلات، في مايو 1964·