رواية "منامات" للروائية العمانية جوخة الحارثي؛ الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2004؛ نقرأ منها:
قراءة كتاب منامات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
منامات
الصفحة رقم: 4
واها لنفس منيت بهوى شديد، ورميت عن مدى بعيد، وفتنت بقلب عميد، وفطنت لقائد شريد، حتى شاهدت في اختلاف شكولها، واختلاف انقطاعها ووصولها، معارف حال في مناكر أخرى، بين ظن موسوم بيقين، وعلم مرسوم بتلقين، ورأي مخوض في الأهواء، وعيب مقوض للأكناف والأرجاء
كل صباح كأنما أخوض في زبد البحر الهش إليه،وإذا لم أقل تحرقني الكلمات ببطء منتظم كأي ورقة صفراء لا حاجة لها، وحين تسد الكلمات المسافات الفارعة في الفراغ، أكتشف زبدها الأصفر الكثير، وترتد داخلي عاتبة وتحرقني ببطء منتظم·
كان يحول الصور الجوية إلى خرائط دقيقة، يستخدم حاسوبا ضخما معقدا تتصل به فتحة تتسع للعين، وحلقة معدنية دوارة لضبط القياسات، وكان يعمل بانتظام كأنما لا يقلق، وكنت أقلق كأنما غلفت بصوره وأوشك أن أحيد بالرقم عن القياس الدقيق لسياج ذرات الكون فينا· أنشق كل ليلة وأقول إن أصابعه قادرة على الخطأ في الحساب، إن عينه المقوسة ستلتقط الرقم التالي، قد تكبر فيها الخمسة حتى تصبح صفرا، ثم أعرف في الصباح -كل صباح- أن الخمسة قد تصغر حتى تصبح صفرا، وأني أدهور هذه المضغة الصغيرة البائسة بلا حساب ولا خرائط·
وكان لطيفا، وحين أعرف -متأخرا جدا - هذا اللطف، أتفصد شقاء لشقائي به، وأراه الآن مدروسا شديد الإتقان، كأنما رسم بفرشاة قديرة تحت عين مقوسة لا تخطئ، وكان مبذولا كابتسامة أعرفها سوء المعرفة في ذلك الماضي الخفيف لكل الصيود السهلة المطواع، وكنتها·
حينما التقينا - في غير ما صدفة - بعد كل تلك السنوات والهزائم المجيدة المدوية، أبدى دهشة حقيقية عامرة بالسذاجة من عدم انهمار الكلمات، وخامره الأسف إذ خبت الشعلة، تماما كما يقول المراهقون الذي يوقعون بالحروف المستعارة في صفحة مشكلتك لها حل
أي وجع تآكلك أيتها الروح، وأي رحابة لا محدودة لفضائك أيها اليأس، وأي يوم رن هاتفه فكلمني كأي غريب،·· كتبت تلك الروائية في اعترافاتها الشخصية ي إحدى المجلات : أحببته حد العبادة والتقديس، وقلت لنفسي ذات غروب رمادي غير حالم : وعبد نفسه حد الإفراط والاستغراق
سماء الذين نحب تحب سوانا
أقطع الطريق إلى روحي حافية، وحين لا تجود باللقى تكتشف الأشواك أنها قد بالغت في إدماء قدميّ·
قدماي تقفزان رغم وعورة الدرب، عند كل قفزة يرن صدى : هذه استثناء، وحين اكتشفت الاستثناءات أن كل حياتي قد أصبحتها، أغضيتُ ولم أنفض غبار التهم·
التهم تهاجمني مني، وأبحث عني، لا أجد أنا أنا، اسمي امّحى في صفحة صفراء، وأنكرتُني حين رأيتني روحا تائهة في فضاءات المستحيل·
المستحيل لفظ مراوغ، أفاك، لقد تفلّت من خلاياي وانسرب في أزقة لم أبنها، ما هو المستحيل ؟ ما هو ؟ ماهو جاذب نبض الحياة من عروقي، مفرّغ شراييني من دمائها القديمة، مُلقيني في دروب الهلاك، ألا تصدّق؟·· ألا تصدّق أني لا أملك الاختيار؟·· الاختيار ؟·· ·؟·· ·؟·· · ليتني كنت شجرة تُعضَد·
كان الضوء يدخل على شكل مستطيلات منتظمة عبر الستارة البلاستيكية البيضاء المنسدلة على شكل شرائح طويلة متزاحمة شيئا ما، وكانت رائحة المعمل مزيج من الخشب القديم والصور الجديدة والأحبار النفاذة، كان واقفا منحنيا قليلا على الطاولة التي افترشتها الصور والخرائط، وبالقلم الرصاص كان يخط أرقاما على بعض الهوامش، وكنت قبالته أفكر في مدى جدوى ما يقوم به، قال فجأة كأنما قرأ ما في رأسي : لعملي علاقة بترسيم الحدود بين الدول، قلت بسخرية خفيفة : أعرف أنك شديد الأهمية وغضب، وعندما يغضب لا يتكلم، فقط يتلون وجهه ويرتبك· وكنت شجرة صبار تعصر مرها بلا سبب، ورغبت من أعماقي أن أوخزه وأوجعه، ولم أنجح، مهما اقتربت من تخوم هذه الذات المليئة بذاتها فإني خاسرة، ومهما خلخلت عبادتها المقدسة لذاتها فإني أنا المتخلخلة، تخيلته ينادي في الشوارع - بحلة عملة الأنيقة - : لا مساس··· لا مساس، فابتسمت، والتفت إليّ متلون الوجه : أتعرفين البروفسور حسن ؟·· إنه أستاذي، وقد كان رئيسا للجنة ترسيم الحدود بين الهند وباكستان قلت بهدوء: وأعرفك يا سيدي، وكنت عضوا في لجنة·· قاطعني : أنتِ لا تعرفين شيئا ، قلت : كل أحد لا يعرف شيئا، عندك ، وارتبك من جديد، وسُعدت، كان سمائي وحضيضي·