المجموعة القصصية "ثماني غيمات لرجل ماطر"، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2002؛ نقرأ منها:
أنت هنا
قراءة كتاب ثماني غيمات لرجل ماطر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
ثماني غيمات لرجل ماطر
الصفحة رقم: 3
في زيارات تالية روى ميخائيل لصاحب الحانة بعضاً من صفحات حياته -وكأنّه كان بذلك يسعى للتخلُّص من وقاره الأكاديمي- حيث حدّثَهُ عن كونِ وضعِهِ المادّي جيّداً، وأنّ له بناية ورثها عن والده في مدينة الزرقاء، وهي بناية مؤجّرة منذ ذلك الحين، كما أنّه قد ورث في شبابه أموالاً كثيرة، لم يغامر بالتجارة فيها، لأنّه آثر العلم على المال·
بدا كما لو كان يسارع إلى النظر للحياة من زوايا جديدة لم يألفها من قبل؛ وكأنّه يسابق الموت، أو يترك عالماً ليتّصل بآخر، فكانت دهشته الجديدة حين اكتشف أنَّ الخبّاز، وبائع التوابيت من زبائن الحانة الدّائمين، بل هما صديقان حميمان لبعضهما أيضاً· ومن خلال زيارته المتكررة للحانة -التي كان يتجاوز فيها كل المحظوْرَات الطبيّة- توطّدت علاقته بهما، وصار يُجَالِسُهُمَا على نحوٍ شبه دائم·
وكان أن استغرق في تفكير عميق لم يصل بعده إلى نتيجة، حين اكتشف أنْ بائع التوابيت وَرِثَ المهنةَ عن والده، وكذلك الخبّاز·
لم يكن أثناء سكنه في الحي الجديد يدخل سوى مكانين محدّدين، هما: المخبز لشراء الخبز، والحانة لقضاء وقت فيه من الغموض بقدر ما فيه من الاكتشاف، لكنّه ذات مرّة زار بائع التوابيت الذي أظهر سعادته بتلك الزيارة من زميل له في الحانة ذي مكانة اجتماعيّة مرموقة· تفحّص التوابيت الموجودة في المحل، وكان أنْ استوقفه أنّها أحجام: صغيرة، متوسطة، كبيرة، فسأل البائع إنْ كان حجم التابوت يتعلّق بحجم الميّت أم المكانة الاجتماعية له؟ ورغم إحساس بائع التوابيت بأنّ ثمّة مغزىً بعيداً للسؤال، فإنّه أجاب على الفور: الأمر يتعلّق بالاثنين معاً·
قالت وهي تُوْقِفُ السّيارةَ قُرب الحانة: لعلّك وجدْتَ رمزاً آخر للحلم·
قال: تقصدين شارة الصليب؟!
قالت: بالضّبط·
قال: أعتقد أنّني أفهم -إلى حدٍّ ما- ثلاثة أشياء·
قالت: الخبز بالنسبة لك يعني الحياة أو صورتها، والحانة تعني حُلماً قائماً بقدر ما هو مؤجّل، أمّا التوابيت فمغزاها في محتواها، لكنَّ شارة الصليب التي رسمتها صارت ذات معنى محيّر بالنسبة لي·
قال: هي كذلك بالنسبة لي أيضاً