"الأعمال القصصية"؛ رغم ان بعض هذه المجاميع الست التي يضمها المجلد قد طبع أكثر من مرة سواء في بغداد أو بيروت أو دمشق أو القاهرة فإن طبعاتها قد نفذت كلها وأصبح العثور على نسخة منها أمرا متعذرا·
قراءة كتاب الأعمال القصصية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

الأعمال القصصية
الصفحة رقم: 8
موت الجفاف
لا الليل ولا الأحلام ولا صرخاتي المهزوزة تحررني منك (أنت مطرق) ما دمت أتطرق إليك سأحاول أن أشرب من نبعك المزيد·
لقد ظننتك سهلا يوم وقفت قبالتي بذلك التواضع الرقيق (وكنت تبتسم بإجهاد) وفي المرة الأخرى (وقد جئتك بشوق أعنف) وجدت أنك لست الأول ذاك بل أنك قد بدأت تنسج حولك خيوطا بشعة تجعلك بعيدا عني كنجمة شتوية (على شحوبها) تقتحم ظلام الغيوم السود لترصع وجه السماء·
مالك هكذا؟ أنا أحادثك الآن وأحس بالأسف العميق لأنني خدعت بك لحظة وصعب التحول بعد ذلك، ألا ترفع وجهك إلي؟ ارتضي منك بالقليل ولا أريدك أن تتمادى، لقد حدثتني عن أشياء كثيرة وكنت أسمع كلماتك واحدة واحدة وأحفظها كالصلاة (حتى التافه منها) وتبدو لي واثقا من كلماتك ثقة شاهقة لم أعرفها إلا فيك (أيها النذل المريض)، كلماتك التي تنبع من أعماق تجربة مميتة حيث حدثتني عن الوطنية والماضي وأحسستك ممثلا مجيدا فمن يصدق أن رجلا باردا مثلك يعقد ربطة عنقه بأناقة متناهية ويتحدث عن الموت والضجر والزوارق المبحرة بلا مودعين كان شيئا آخر؟
لقد أبقيتني حائرة كل الحيرة حتى لا أطيق أن أطلق حكما بينا على الرجل الذي في داخلك (رغم عاديته الظاهرة) كل الذي أحمله عنك صورة هيكلك المائل للبدانة ووجهك المخمور أبدا (حتى التقزز) وعينيك المقفلتين على ماض وأتعاب، على حرمان لم أحدده (رغم محاولاتي)، ترى لو عرفتك منذ أول يوم أحسست فيه بالشوق لكلمات أنثى هل استطعت أن أصلك؟ لا أظنني فأنا بعد كل هذا الخوض في مستنقعك الآسن لم أمسك بشيء ثابت (وها أنا أضحك من ياقتك المنشاة وهي تحيط بعنقك الثقيل) أيها المتكبر، أيها البارد·
عندما كنت تحدثني (في الايام الأولى وكنت قريبة منك بعض الشيء) وكان حديثك يتوجه صوب الالتزام وتحديد الافكار في قضية تملي طبيعة الآراء والسلوكيات أمام النداءات التي تعلو من كل جانب، وقد اخترت دربا أوقعك في الخيبة فكان أن عدت ناقما تنوي تهديم كل ما تقع عليه يداك·
إذا فشلت أنت فهل من العدل أن تحمل الآخرين وزر فشلك؟ (وسأظل أرى رجل الماضي الخاسئ وهو لا يريد أن يبتسم من جديد)·
لست أدري كيف يتسنى لأحد أن يصلك وأنت في عزلتك المنفية (أيها المتوحد أبدا) ولا يمكن للأقدام أن تطأ أرضك ووحدي المسكينة التي حاولت الوصول إليك وها هي زوابع الثلج والأمطار القاسية تصد دربي وتسقط همتي، ولكنني مازلت مصرة بعناد، مؤمنة بك، مرتبطة بصدرك بكل جذوري وكل خصل شعري وحواسي، أنتظر أن تفصح مرة، أن تشتمني، أن ···