في المجموعة الشعرية "تخت شرقي"؛ وجدتني أرتمي على الأرض المعشوشبة تحت شجرة الحور الباسقة، ملقياً بأثقالي تحت ظلالها، وقد تلاشت أصابع شغفي الناشبة في المحيط، بعيداً عن رفاقي اللاهين في جهة أخرى من نهر الجوز· غير أن حركتي المتراخية، ما أن استلقيت إلى جانب الجذ
قراءة كتاب تخت شرقي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
الرغبة بالقصيدة
وجدتني أرتمي على الأرض المعشوشبة تحت شجرة الحور الباسقة، ملقياً بأثقالي تحت ظلالها، وقد تلاشت أصابع شغفي الناشبة في المحيط، بعيداً عن رفاقي اللاهين في جهة أخرى من نهر الجوز· غير أن حركتي المتراخية، ما أن استلقيت إلى جانب الجذع، انتهت إلى أن تكون فعلاً نشيطاً، بل متوقداً استجمع قواي من جديد في تأهب حاشد· إذ تجهمَ وجهي ما أن رفعتُ نظري إلى عالي الشجرة، وبدا عليه تصميم المكلفين بمهام جسيمة ولكن محفزة، ووجدتني في رواق من ضوء أفضى إلى إشعال حواسي، وإلى دبيبٍ أمسك بأطراف العناصر في جدل محيي·
علوت إلى أوراق يتسلل الهواء الذي بين أصابعي بينها، ويُقبل على غيوم لها هيئة قطعان شاردة بأحلامها، فيستجمع الهواء هذه وتلك صوتاً على شفاهي: صوت يتهدج مصعوقاً، مخطوفاً بانفعالات ضاجة وجارية في تضاعيف جسدي؛ صوت مالكٍ ومملوك، صوت منشد وجوقة عزف، صوت الكلام وماؤه الجاري في عيوننا·
هذه اللحظة أستعيدها من الذاكرة في حركة بطيئة، وأستعذب الوقوف على ثنياتها، والتملي من مرآها، والوقوف على أسباب حركتها الداخلية، ذلك أنني لا أزال مشدوداً إليها، وتبقى طازجة في صوري المستبقاة، من دون أن أدرك، لا أسباب ولعي بها، ولا حقيقة اشتمالها على شيء مني يتعداني ويسميني·
سعيت إلى كتابة هذه الحالة في مرة سابقة، بعيدة، في قصيدة، في سنتي الجامعية الأولى، وما لبثت أن مزقت الأوراق· وانتهيت إلى كتابتها - أخيراً -، بل إلى تدوينها (طالما أنني أشعر تجاهها بأنها لا تزال حية في ظني، مع هذه الحروف) بعد أن وجدت في ذلك ما يحفظها، ويثبت في هيئة مادية، لفظية، تمسكي الأول بها· وهو تمسكٌ فيه بعض غواية الشعر، وفيه الرغبة بالقصيدة فيما يستبق المفردات والجمل، وفيما يتعداها· تمسكٌ خفيف وإلحاحي، طالما أن الشعر زخمٌ وإن من أثير·