منذ أن اطلعت للمرة الأولى على هذا الكلام في أوائل السبعينيات من القرن العشرين وهو يؤثر بي تأثيراً عميقاً· وإذ أنظر مجدداً إلى حياتي فإني أرى دائماً أنني كنت قاب قوسين أو أدنى من كارثة شخصية· إني أفكر كيف أن عالمي الخاص قد اهتز بسبب الانقلاب العراقي الوحشي ف
قراءة كتاب نحو تحقيق الأماني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
1
أسرتي
لقد ولدت في اليوم الثامن والعشرين من شهر تشرين الأول 1936 في مدينة كركوك بالعراق، وذلك في البيت الكبير ذاته الذي عاش فيه جدّاي، جدي لأبي وجدي لأمي، والذي ولد فيه كل من أبي وأمي وعاشا فيه في بواكير حياتهما·
إن أصول العائلة تنتسب إلى آل قاردار، وهي عائلة عشائرية تركمانية متنفذة كانت تقطن في الجنوب الغربي من تركمانستان على حدود إيران الحالية· وفي عام 1604 انتقل فرع من العائلة برئاسة قاردار زاده عمر خان إلى كركوك للانتفاع من مناخها المعتدل وأرضها الخصيبة ووفرة المياه فيها· إن هذه المدينة أصبحت موطن العائلة منذ ذلك الحين·
وكركوك نفسها تقع في موقع العاصمة الآشورية القديمة المسماة عَرَفَه Arrapha، وكان قد جرى احتلالها في أزمان مختلفة من قبل البابليين والميديين وكذلك من قبل الآشوريين· أما في العصور الحديثة فإنها قد لفتت أنظار العالم حين اكتشف فيها النفط في عام 1927· وقد بدأ استخراجه وتصديره في عام 1934 فغدت المدينة تعرف بأنها عاصمة النفط للبلاد - أي أشبه بتكساس العراق·
وبالنظر إلى الموجات المتعاقبة من المهاجرين طوال تاريخها كانت كركوك تتميز بتنوع سكانها؛ إن من فيها من اليهود والمسيحيين والشيعة والسنة والتركمان والأكراد والعرب يمثل موزاييك من الشعوب والثقافات الممتزجة ببعضها أكثر مما هو الأمر في أية مدينة أخرى من مدن العراق·
إن أسرة آل قيردار هي إحدى الأسر المعروفة والمتعددة في المدينة· وهذه الأسر لم تكن بالضرورة أثرى العائلات· فقد كان لدى بعض التجار من الأموال أكثر مما لدى بعض الفروع القديمة الأصلية، ولكن هذه الأسر ذاتها كانت تعتبر بمثابة النبلاء· إن أفرادها كانوا هم من البارزين المحليين ويتمتعون بنفوذ قوي في شؤون المدينة·
إن كلمة أشراف العربية تعني النبلاء، ولكنها لا تفيد مفهوم الارستقراطية الأوروبية· فليس هناك مثلاً ألقاباً رسمية· إلا أنه كان من المعروف مع ذلك أن مكاناً مثل كركوك سيكون فيه ثلاث أو أربع أسر بارزة، وهي معروفة بأسمائها لدى السكان· فإذا جرى مثلاً تعيين حاكم (أي محافظ) جديد فيها من قبل الحكومة المركزية فإن أول ما يقوم به عند وصوله كركوك زيارة هذه الأسر البارزة وتقديم الاحترام لها وطلب مشورتها ودعمها·