أنت هنا

قراءة كتاب كل شيء على ما يرام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
كل شيء على ما يرام

كل شيء على ما يرام

المجموعة القصصية "كل شيء على ما يرام" للكاتبة العراقية هدية حسين؛ نقرأ من أجوائها:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
ولا أحد يعرف ذلك
 
جلست - بعد ثلاثين عاماً - على مصطبة خشبية متآكلة الحواف، بدت الساحة أمامي خاوية والأبنية حائلة اللون ·· حقيبة ملابسي محاذاة المصطبة وإلى جانبي كيس به ما تبقى من طعام ·· أنظر الى الشجيرات العارية من أوراقها - مع أننا في منتصف الربيع - وأجتر الصور التي اختزنتها ذاكرتي فلا أجد أيما تطابق أو تشابه يوحي بملامح واضحة لما أرى ··· كل شيء شائخ ومهترئ·· وأنا أعود بعد ثلاثين عاماً بجلد لم تعد خلاياه تتجدد·
 
السيارة التي أقلّتني من عمّان إلى بغداد رمتني إلى هذا المكان ·· نزل كثير من الركاب وبقي القليل منهم··· ترددت قبل النزول وأنا اتطلّع من نافذة السيارة·· قلت للسائق :
 
- أروم الوصول الى مدينة الثورة·
 
رمقني ولم يعلّق بشيء ·· أنا من ناحيتي كنت أستعيد الكلام الذي قلته، فربما أخطأت في التسمية·· ولما كانت عيناه ما تزالان تحدقان باستغراب فقد نزلت في ساحة مربعة الشكل·
 
كان عدد من الرجال يعرضون خدماتهم·· سائقون وحمّالون وأطفال يبيعون العلكة والماء···· الجميع يتحدثون بطريقة سريعة وبمفردات لم تدخل قاموس ذاكرتي من قبل، حتى ليصعب عليّ الإمساك بحروفها··· الوجوه غريبة، ممصوصة، والمكان الذي يفترض أنه (كراج العلاوي) لا أثر لخارطته القديمة··· أخرج مساعد السائق الحقائب جميعها··· وبعد أن مضى الركاب كل صوب طريقه، رحتُ أتطلّع في المكان·
 
أربعة مداخل تفضي إلى شوارع طويلة ليس لي من علم بنهاياتها·· مدخل رقم (1) يقف عنده عدد من الشرطة وتسد الطريق إليه دعّامات كونكريتية·· حملتُ حقيبتي ولم ألتفت إلى أحد، فقد انتابتني مشاعر مضطربة من الوجوه المريبة·
 
كانت ثمة امرأة تهم بصعود سيارة أجرة، اسرعت اليها ورحت أسألها:
 
- كيف يمكنني الوصول إلى مدينة الثورة ؟
 
نظرت إليّ ولم تجب، بدت نظراتها كما لو أنها لم تفهم السؤال فأعدته ثانيةً، لكنها كانت قد استقلّت المقعد الخلفي وأغلقت الباب بسرعة كأنها تهرب مني·
 
سياج الساحة ذات الشكل المربع واطيء·· تلوح من خلفه بنايات لمطاعم أو فنادق رخيصة·· بعد دقائق امتلأ الركن الشمالي بجنود ضامري الأجسام، يدخنون بشراهة·· جلسوا بالتتابع على السياج، لم يتبادلوا الكلام كما لو أنهم قالوا كل ما عندهم في الطريق ولم يبق الاّ انتظار السيارة التي ستقلّهم، أو ربما هم منشغلون بالتحدث الى أنفسهم··· هل هم عائدون من وحداتهم في أقصى الشمال ويرومون الوصول الى بيوتهم في الجنوب؟ أم أنهم ماضون إلى تلك الوحدات؟·
 
انتبهت إلى صبي يقارب العاشرة، يرتدي بنطلوناً قهوائياً مهترئاً في الركبتين، وقميصاً أكبر من مقاسه·· لم يقل أي شيء·· فتحت الكيس وناولته برتقالة وقطعة بسكويت··· ظل ينظر إليّ للحظات قبل أن يمد يده ويختطف ما بيدي ثم يهرب خشية ان يراه أحد، كما لو أنه قام بالسرقة·· ومن حين لآخر يخرج اناس من أحد المداخل ويقطعون الساحة نحو المداخل الأخرى··· اناس عابسون متشنجون··· ودخل اثنان في معركة فيما كانت امرأة تقف قربهما، ترتدي ثوباً لمّاعاً وشعرها أحمر طويل يصل حدّ الخصر··· وبينما هما يتبادلان اللكمات والكلام القبيح انسلّت هي الى المدخل الذي يحمل الرقم (2) ·· كان الوقت يمر سريعاً والليل يتسلل ليغطي الفضاء والأشياء·
 
قلت : لا بد لي من معرفة المكان الذي أنا فيه، ولكي أعرف ذلك عليّ أن أسير بضعة أمتار لأستطلع الطريق الصحيح··· وحتى لا أتعرض إلى ما لا تحمد عقباه لا بد أن أتحاشى السؤال·

الصفحات