كتاب "الأعمال الروائية" للكاتب جمعة اللامي عراقي التكوين والهوى، ويصعب أن تضعه في غير هذا المسار، إلاّ إذا راهنت على أمر آخر يقيم ما بين الميراث الحسيني والتصوّف.
أنت هنا
قراءة كتاب الأعمال الروائية - جمعة اللامي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

الأعمال الروائية - جمعة اللامي
الصفحة رقم: 7
المحقق: لا تكن سخيفاً، هل هذا اسم قريتك؟
هرمز: لا، يا سيدي·
ابو حكمة مقاطعاً: هذا هو العالم الجديد الآتي من زمن العنف·
والقصد، أن اللامي من وراء هذه الحوارات يريد أن ينبه الى التفاوتات ما بين المثقفين الذين تهيأ لهم لزوم معرفة الناس بالمسميات والايديولوجيات، وبين فعل العامة وبضمنهم المحقق الذين ليس من شأنهم الأسماء· والقصة تحتمل لوماً وتقريعاً للذات، ولذلك الانهماك التثقيفي الذي جرت عليه الأحزاب دون فعل حقيقي لنقل فعل الثقافة لا مسميات أشخاصها الى العامة·
لكن الأمر يختلف في قصة (ابراهيم العربي)، فالحانات والبارات هي مقرات المتشردين من هؤلاء المثقفين، هي محطاتهم التي يتوارثونها نكداً وصراخاً وصمتاً بعدما انعدم الفعل الثوري أو شلّ في ظل الحكومات (الثورية؟)، أي دولة ما بعد الاستقلال وانهماكاتها الشديدة في البطش بالمعارضين·
لكن ذلك لا يعني أن البارات محطات آمنة، فهذا هو ابراهيم العربي صامتاً في حانة الأندلس في حارة العرب في منطقة الأثوريين ببغداد، لكنه يؤخذ معتقلاً أيضاً· فتستغرب (ماجي العجوز) صاحبة الحانة عندما تعلم أنه في سجن نقرة السلمان:
قال شيوخ الأثوريين إن ماجي العجوز حزنت عندما علمت أن ابراهيم العربي سجين في صحراء السلمان، وقالوا إنها أنزلت صورة (الزعيم) من غرفة زينتها ووضعت مكانها نعلاً لقوادة أرمنية معروفة·
واذا كانت الحانة مكاناً أثيراً عند القاصين والشعراء العراقيين، فإنها تشكل واحدة من الأماكن عند جمعة اللامي· فمحطاته هي مدن وشوارع وقرى وبارات، لكنها لا تكتسب دورها وقيمتها الحضورية إلا من خلال أصحابها، فالشخص هو الذي يمنح المكان طاقته ويحرك امكانياته· ويمكن للمخلوقات الاخرى كالخيول أن تفعل ذلك وهي تستعيد للوديان والبوادي حركة ما، ليست مقرونة بالفعل الروائي التقليدي، أي عمل الفاعل، وإنما بطقوسه· فالمكان ضاج بالطقوس كلما تيسر من يقدح الزناد ويحقق الاشتباك ما بين الواقعي والروحاني، وما بين الحياتي والعرفاني·
والباحث عن القصة والرواية بتمارينها المعروفة في البناء والتسلسل والحبكة قد لا يجد ضالته ومنشوده في كتابات اللامي، لأنها تعطي نفسها بسهولة لمن جاءها بعدة أخرى، تجاوزية ومتسامية، لا تبحث عن حدود، وإنما تعيش في أصدائها وهي تتوزع في فضاءات الروح، كما يقول الراحل موسى كريدي عن همومه التي يتخذها عنواناً لواحدة من رواياته·
وكتابة جمعة اللامي بهذا المعنى هي بكر، لأنها لم تبن على أرض سابقة في العراق، ولا حتى في جيل ادوارد الخراط في مصر· فهي كتابة عنود تناكد نفيها لتتحرر من ربقة الانصياع للمعاني المعروفة: وهذا ديدن الهذيان، أو السكر، الذي يرتجي النشوة، لعلها تبيح المحظورات باتجاه أفق أوسع بَلَغَهُ الشهداء، وسيدهم تحديداً الحسين بن علي، وتراءى للحسين بن منصور الحلاج، وصاح به عزيز السيد جاسم (كدت أرى الله، فلماذا تحرموني من رؤيته) في سجنه سنة 1988 وهو يقدم على مسعى انتحار في غفلة من رجال الأمن الموكلين بزنزانته· وقد تحقق له ذلك من بعد·
وبقي اللامي يطالب بهذا الاختراق تجاوزاً للحجب، وكانت الكلمة طريقاً وحجاباً، تستجيب اليه مرة، وتهرب منه مرات، فكانت الكتابة جادته ومبتغاه، تعامل معها بطهارة وعفة، وانقادت اليه طيعة سلسة أيضاً·
الشارقة 2004