كان أول ما كتبت، في بداية حياتي الأدبية، مقال عنوانه "فدوى طوقان ومشكلة الموت" نشرته لي مجلة الأفق الجديد، في عدد أيلول سنة 1961م، وكانت مجلة أدبية طامحة تصدر في القدس، وبعد ذلك نشرت لي مجلة أفكار الصادرة في عمّان مقالاً بعنوان "الحنين في الشعر العربي الحدي
أنت هنا
قراءة كتاب صخر وحفنة من تراب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
قراء الشعر دائما قلة
الواضح مما تقدم من قول أن أزمة الشعر العربي الحديث ليست أزمة أشكال فنية جديدة وحسب، وإنما هي أزمة أعمق من ذلك بكثير
تمسُ جوهر الحياة العربية ذاته. أما انصراف كثير من القراء عن الشعر الحديث فهو (إن صحّ) انصراف عما لا يجدي فيه ولا يعبّر
عما يحسّ به هؤلاء القراء من أحاسيس يودّون لو يستطيع الشعراء أن يخرجوها إلى النور، ويطلقوا لها العنان لتكون أحد العوامل لحلّ
الأزمة العامة. ويتحقق هذا بالأشكال الفنية الجديدة إذا استطاعت أن تحتوي المضمون الجديد، أو بالأحرى يتحقق بالأشكال الفنية
المتجددة دوماً، المحتوية على المضامين المتجددة باستمرار - لأن الحياة متجددة أبداً. لا ينفع الثمانينات والتسعينات من هذا القرن شعر
الخمسينات والستينات. التكرار قتْل للشعر، والتقليد موْت للفن، والحياة تجدُّد دائم. النقص إذن في عطاء الشعراء أنفسهم أو في عطاء
بعضهم. ولكن كما اتضح من قولنا أعلاه: لا ينبغ في الأمة شاعر كل يوم، فلْنقرّ بحدود الواقع وبمحدودية الشعراء، بل بمحدودية الشعر
في تغيير أحوال الأمة. ولننظر إلى ما وراء الشعر من أسباب قهر هذه الأمة، قرائها وشعرائها. وإذا كانت هناك ثقافة تهيمن على
بعض القراء وتجعلهم لا يستسيغون أشكالاً فنية جديدة متجددة فهي ثقافة التحجُّر الفكري، التي تريد لها قوى الرجعية في الداخل
والخارج أن تدوم في العالم العربي ليتسنى لها هي أن تسود وتدوم لها الهيمنة.
وإذا كان الكثير من القراء قد انصرفوا عن قراءة الشعر، فلأنّ أجناساً أدبية أخرى، ولا سيما القصة والرواية، قد نجحت في اجتذابهم
لأنها استطاعت أن تعبّر عن همومهم فازدادوا عليها إقبالاً. وهذا طبيعي في تطور الأمم وفي تطور تاريخها الأدبي. ذلك أن الذين
يتذوّقون الشعر في العصر الحديث ممن يتذوقون الأدب عامةً هم قلّة من الناس في كل أقطار العالم. أما نحن العرب فما زلنا نتذكر
ماضي الشعر العربي حين كان أكثره يُلقى ويُنشد، فيطرب له المستمعون بجماهيرهم الواسعة. أما اليوم فهو الكلمة المطبوعة بكل
اكتنازها وصمتها، وهي محتاجة إلى نوع خاص من التذوق ليس جمهورياً في ماهيته أو في كميّته.
أضف إلى هذا أن هناك قراءً من العرب ممن لا يتذوقون الأدب أصلاً، ويميلون إلى مطالعة كتب التاريخ أو الدين أو علم الاجتماع
والسياسة أو علم النفس أو علوم الطبيبعة أو غيرها مما تقذف به المطابع العربية. وفوق هذا وذاك، يجب ألا ننسى أن نسبة القرّاء عامة
في الوطن العربي نسبة ضئيلة من مجموع السكان لاتساع نسبة الأمية بين العرب. فليس عجيباً أن يكون نصيب الشعر العربي الحديث
من هذه النسبة الضئيلة من القراء نصيباً صغيراً قد يتضاءل يومياً للأسباب المذكورة أعلاه.
الصفحات
- « first
- ‹ previous
- 1
- 2
- 3
- 4