لم تكن لدي النية في الاصل لكتابة رواية، تعكس صورة الواقع في بغداد وبعض مدن أو غالبية مدن العراق، قبل العودة إلى يوميات اعتدت كتابتها، لغرض الإفادة من المكتوب فيها كشواهد إثبات تدعم وجهة نظري التي اروم وضعها في كتاب جديد أخذ عنوان (حصاد العاصفة ـ ثقافة التضا
قراءة كتاب جراح الغابة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
الساعة تجاوزت الخامسة بقليل، لم يبق على أذان المغرب إلا دقائق معدودات، في جو صيفي يستمر حارا، وإن تداخلَ مع الخريف، يحتاج خلاله البيت إلى تبريد، والكهرباء لا أثر لها، لا يمكن تشغيل التبريد. شذى اليائسة من عودة الكهرباء، تعاود الالحاح على تشغيل المولدة، وربط المروحة المنضدية في غرفة الطعام.... إلحاح يستسلم الوالد لتكراره، ولأوامر الوالدة حول الموضوع نفسه، فيشير إلى سامر الذي يتنقل بين المطبخ والصالة من دون عمل مفيد بالصعود إلى المخزن، بغية جلب السلك الكهربائي الخاص بالتوصيل، وتشغيل المولدة (لابد من أن يتم التشغيل قبل حلول الافطار ليتناولوه وجبة مميزة بارتياح).
المخزن الذي يحوي السلك المطلوب في الطابق الثاني، يحوي كذلك جميع العدد، واللوازم المطلوبة لإدامة البيت. مبعثر بعضها، ومرتب بعضها الآخر على رفوف نظامية، وطبقة من الخشب، تجعل نصفه مقسما على طابقين، تشرف بابه على غرفة الجلوس بزاوية رؤية عريضة، وشباكه الصغير يطل على ممر خلفي، يفصل بينه وبين الجيران.
في هذا المخزن العتيق أكثر من سلك للتوصيل، متشابكة بطريقة فوضوية مثل وشيعة غزل تاه رأسها كما تضرب في ذلك الأمثال، تحتاج إلى فك تشابكها، واختيار الأطول منها لعمل التوصيل المطلوب بغرفة الطعام، مع التحويلة الخاصة بالخط القادم من المولدة، وسامر لا يجيد فك الاشتباك. الأستعجال صفة تغلب على سلوكه المعتاد، في مواقف تحتاج الى السرعة في الانجاز، والعد التنازلي للفطور بدأ، وأي تأخير سيغضب الوالد، وسيعيد الاتهام بالكسل والتراخي، لكن الاستعجال ومحاولة تجنب الغضب يضاعفان الوقت المطلوب لفك الاشتباك، ويزيدان من فسحة التأخير. يحاول جاهدا أن يستبق كل الاحتمالات الواردة، ويخفف من أثر التأخير، بتوجيه اللوم إلى منى التي وضعت التوصيلة في المخزن اللعين آخر مرة، وبصوت يسمعه الجالسون بالصالة. توقف عن اطلاق اللوم بعد أن حصل على المطلوب، موجها الكلام إلى نفسه دون أن يسمعه أحد من الجالسين (الحمد لله لم يتكلم الوالد إلى الآن). يهم بالخروج فرحا بالانجاز العظيم. يوقفه في مكانه وسط المخزن صوت مطرقة ضخم، يأتي من ضرب باب الصالة، كأنه صوت إنفجار قنبلة يدوية هجومية، يعقبه صوت تكسر زجاج الشباك المطل على الحديقة الأمامية.