أنت هنا

قراءة كتاب ابراهيم السامرائي - الانسان والكتاب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ابراهيم السامرائي - الانسان والكتاب

ابراهيم السامرائي - الانسان والكتاب

كتاب "ابراهيم السامرائي - الانسان والكتاب"، هذا الكتاب محاولة صادقة من مؤلفه لتقديم صورة عامة عن جهود الدكتور ابراهيم السامرائي الثقافية ، وقد تمثلت هذه المحاولة في تقديم مسارد تفصيلية لما تركه السامرائي من كتب ودراسات تجولت في حقول ثقافية متنوعة ، ودلت على

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2
بغـاث الـطيـر أكثـرهـا فـراخـاً
 
وأمّ الصقــر مِـقْــلاتٌ نـــزورُ
 
فهذه البغاث وافرة البيض، كثيرة الفراخ، وأمّ النسر قليلة البيض، نادرة الفراخ، ولا يذهبنّ الظنّ إلى أنّ جذر مقلات هنا من القِلى، وهو البغض، والإبعاد، كما يتوهّم بعض الدارسين، بل هو من قَلت فيقال ناقة مقلات وهي التي تضع واحداً ثم يَقْلت رحمها فلا تحمل، وامرأة مقلات ليس لها إلاّ ولدٌ واحد، ينظر العين للخليل، ص692، وبه فسَّر الشاعر البصري محمد بن مناذر الذي كان إماماً في اللغة على حدّ قول أبي الفرج ينظر الأغاني، 18/169 نداء المرأة التي كانت تبيع دواءً تسميه الحزاة بدعوى أنّه نافع للإقلات، فقال ابن مناذر لسائله: الإقلات قلّة الولد، ينظر الأغاني 18/205، وأنشد بعدها البيت السابق، غير أنَّ هذا البغاث يحلو له في أحيان لعلَّها ليست بالقليلة أن يستعير ريش النسر، ومن هنا جاء المثل العربي القديم: إنَّ البغاث بأرضنا يستنسر، وهو ما نشاهده ونلمسه· أقول، كأنَّ هذا النمط من المثقفين النسور قليل نادر لحمله أثقالاً تنوء بها العصبة أولو القوة، ومن هنا يؤخّره د· عبد الفضيل، ويسمّيه بالمثقف الانتحاري؛ لأنَّه آثر اتخاذ موقف اجتماعي حادّ بالانعزال الكامل عن الحياة اليومية، وعن صخب المحافل، والمنتديات الفكرية وأضوائها، والانصراف إلى الجهد البحثي الأصيل الفردي في إطار مشروع فكري حدّد المثقف لنفسه شروطه المرجعية المرجع السابق، ص129، وقد جاء تبنّي ذلك الموقف أشبه بردّ فعل على كلّ ما هو مزيّف، وطارئ، ودعائي، ومبتذل في حياتنا الثقافية السابق، ص130، ومن البدهي بعد ذلك كلّه أن تكون نهاية هذا المثقف مأساوية، وواضح أنَّ الانتحار هنا كما هو شأن الاستشهاد هناك موقف صارم، وليس فعلاً واقعاً، إنّه أقرب إلى أن يكون مجازاً مستعذباً، غير أنّه مجاز مؤلم جارح أهون منه الانتحار الحقيقي، أو الاستشهاد الواقعي نفسه· إنّه موقف مليء بالمرارة، مكلّل بالأسى، ولكنّ إرادة التحدي هي الغالبة بحيث تجعل من هذا النموذج النادر مستمراً في طريقه، قابضاً على الجمرة وحده، محترقاً وحده، ومنتهياً في النهاية وحده·
 
ولن نلقي القول على عواهنه، أو نحاول أن نصنع تاريخاً وهمياً حين نجعل من إبراهيم السامرائي منضوياً تحت مظلّة ذلك النموذج الفريد، فقد وجّهنا الطرف مرة أخرى إلى المنهج الذي تخفّفنا منه قليلاً في السابق، فهو أي المنهج لن يرضيه سوى الدليل، والقرينة، والشاهد، وهي كلها تعمل متضافرة في جهازه المعرفي للوصول إلى ساحل الحقيقة، أو ما يقترب منه، ومن الممكن تقديم خمسة من الأدلّة، والقرائن، والشواهد لعلَّ فيها مقنعاً لأولئك الآخذين بزمام المنهج، أمّا سواهم فلن يرضيهم أضعاف ذلك العدد·
 
وتتمثّل أولى الأدلّة جليّة مشرقة في انصراف الأستاذ السامرائي الكامل إلى التدريس الجامعي، وإنضاج مشروعه البحثي، فمنذ حصوله على درجة دكتوراه الدولة من السوربون سنة 1956، وحتى وفاته سنة 2001، أي ما يقرب من خمس وأربعين سنة وهو دائب على التدريس في الجامعات العراقية، والعربية، مواظب في الإشراف على عشرات رسائل الماجستير والدكتوراه، أو المشاركة في مناقشتها، حريص على رَفْد المكتبة العربية بكتبه، وبحوثه النافعة، ولعلَّ هذا الكتاب خير دليل على ما نقول، إذ أحصى له الأستاذ السريحي أربعة وثمانين كتاباً منشوراً، وأربعة وعشرين كتاباً ما تزال مخطوطة، بالإضافة إلى ثلاثمائة واثنين وسبعين بحثاً منشوراً في مجلات عربية مرموقة، عدا ما استبعده الأستاذ السريحي من المقالات المنشورة في الصحف العربية لصعوبة الإحاطة بها جميعاً، وهي تشكّل كتاباً ذا أجزاء إذا كُتب لها الجمع·
 
إنَّ هذا العدد الكبير من الكتب، والبحوث حين يقترن بالتجويد، والعمق، وهو ما عُرف عن كتابات الأستاذ السامرائي، أقول إنَّ هذا العدد الوافر خير شاهد على الانصراف إلى البحث العلمي الجادّ بعيداً عن التعجّل، ومحاولة اقتناص الفرص، والسعي لاستجلاب الأضواء، فهذه الأضواء في غالبها أشبه بسحابة صيف سرعان ما تزول، وهو ما كان الأستاذ السامرائي ينأى بنفسه عنه·

الصفحات