كتاب "كن معطفي" نصوص نثرية للكاتبة الإماراتية ريم الشحي، الصادر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع، نقرأ من أجوائه:
بعض الوجوه يا سيدي غابة مشتعلة وحياة تتكلم!
أنت هنا
قراءة كتاب كـن معطفي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

كـن معطفي
الصفحة رقم: 5
اعترافات قيد التسليم
رغم الحياة، جبين اعترافاتي هذا المساء مرفوع على مزامير نهاية رحلتي المُعبأة بالسواد فتحوم على الفؤاد. أعترف عندما ابتعدتَ خارج حدود قلبي دون أن تلوّح لمجزرة النسيان! ملأتَ كتاب عشقي بالخذلان، وبحرقة نامت على سكين البكاء يا أعظم خيباتي !!! أغمدتَ منقار الموت الأحمر في قلبي غرستَ دبابيس غياهب السواد في عينيّ.. رقصتَ على قبري لأصبح على مرأى أطلال هوانا بقايا من أخبار، بالأمس كسّـرتَ تمثال الذكرى البيضاء، وأبقيتَ قلبي في التراب فبكيتك كالصغار بدمع الخذلان.. كطفلة يفزعها الشتاء أصابتها رجفة الانكسار عندما ألقيتها على أنياب صقيع الغياب، فروّعها الكسوف وأرعبها بقاؤها في السطر الأخير تلعق بؤس اليتم وتناديك بكل الأسماء وسط الضباب، وهي تقف على خنجر الغياب.. فوق جسد جريمة الخذلان: يا أبتاه.. يا أماه.. مرارة الأموات في صدري! أحن إلى الغطاء يُدثر شوقي العملاق، فالأشواق تكوي خرائط العشاق.. أخشـى أن أسلك درب عمري في الظلام، وأنا أحيا بالأكفان! أعترف عندما أركب قطارات الحنين لك على سكة المساء، ولا أذوق خبز النعاس يقودني الجنون إليك وألصق بي البسمات لتقتحم حصن وجهي الحزين، فأتجاوز إشارات النداء عليك بكل لغات الحب، فيرتد النداء مهجوراً.. ميتاً.. متعرياً.. وحيداً.. فارغاً من نبضة حياة ليحفر ظهري بخنجر أنين فينشطر انكساري نصفين، وأعود كبؤساء الحب بلا أزهار ألوك أحجار قبري، فأكنس هديل دمعي بصلاة لأوزع دعائي لك في سجدة تذَوّب الحنين: إلهي احفظه من لون الموت بي في عزّ الحنين، ولا تُغطس قلبه في الضباب، و ضَع ملح الانتظار في طعام حبه صباحاً ومساءً. أعترف يا ربيع أوجاعي بأن صحاري حبك نادرة الأمطار، وحقيبة أحلامنا ممزقة.. مُغلفة بشماتة الغياب، فليتك رميت نعليك بشموخ أبطال الحب قبل أن تدوس قلبي وتزفه لمقصلة البكاء، لتتألق بشاشة السكوت، فالسكوت في الحب من لهب.. السكوت في الحب من لهب!
يا أنت، ومع ذلك أنقب بإيمان عميق عن بداية حبك العقيم، ونهاية أحباله بسذج البسطاء في غمامة سوداء، وأنا أشم بينها رائحة موتي، ولهفتي المغموسة بالانتظار فأستمتعُ بإضاءة تفاصيلك العقيمة التي لا تفيق في زمن ضرير، فحبنا لم يكن مصبوغاً بالمساحيق.. فقط مشـى بخطوات المشيب.. فقط جُرَّ قلبي إلى سوق النخاسة فمن يشتريه؟ والله أرهقتني لوثة لعبة الغباء تلك التي أصابتني بالخدر بك. ليتني لم أرتوِ منك.. ليتني لم أرتوِ منك.. أعترف بأنني كنت معك كالأم تعتلي سهول الحنان مع ابنها عندما ينصب الظلام لك الخيام.. تتسلل يداها بين أهدابه فتخيطه قبل أن ينطق لك بلهجة ولاء! أعترف بأن فكرة أن تسافر نبضاتي وعطر العمر إلى سواك تُفقد اتزان قلبي في الكرة الأرضية لينزل السيّاف من نخلة الروح فيختـصر جهات موتي، وينتخب قلبي باجتهاد المقصلة فأقترب من المشهد الأخير ليصبح منبر حرفي مشانقاً فتنهشني ذئاب الأشجان ويصغر برعم قلبي، مفترشاً رصيف الغرباء.. مهترئاً على المدن الخراب، فبدونك جزيرة قلبي لا تبللها الأمطار. أَنَسَيت أنني جددت الإقامة لك فوق مدن حبك ودمعي تحجر في مكان، فترمد في عينيّ قرص دخان؟! صعبُ أن تسقط أمطار قلبي على رصيف سواك، ويقطن قصـر قلبي المهجور سواك فتواسيه العناكب، وتُسْتبدل الأدوار.. صعبُ ألا أحمل صوتك في أوردتي، وأمرُّ مرور الكرام سرداب خفقات قلبي عند سماعه وأتسلق سلم هجره، وأبتاع مفتاحاً وسكيناً لأغلقه بإحكام، ولأقطعه من جذور هواي وأطرز صباحاتي المشمسة بالآه، وأمتطي ومضاً باهتاً من الكلمات وتذبل أعشاب الكلمات، وأفترش حدائق قلب سواك، وأشاكس طفلة تجر ملامح رجل سواك، وأنا أنفض بنفاق أوراق نسيانك وأنا أزاحم البكاء، وإقامة عواصم عشق لسواك في ضاحية الساعات، فقد لا تدور بعدك كواكب الهوى ومقعدك الخالي سيطلق عليّ رصاص الذكريات فتسبقني يا سيدي الخناجر وتفضحني الخيانة بطيفك وبوجهك الذي ضاع لسواك.