قراءة كتاب عشـاق السماء والدماء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عشـاق السماء والدماء

عشـاق السماء والدماء

رواية "عشاق السماء والدماء"، قليلٌ من الأشخاص مَنْ سمع باسمها في رحاب استانبول هذه، وليس هناك أحد سوى فرقة الإنكشارية مَنْ ذهب إلى هناك ورآها بأم العين، مدينة تسمى (بسارابيا Besarabya) تُحاذي أراضي «كفرة» موسكو في الشّمال.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1
في هذا الرّجل شيء ما يربطني به. بقيْت جالساً قبالته أربع ساعات كاملة، وما زالت جالساً. أريد في الواقع أن أنهض.. لا، ربّما ما أردتْه ليس النهوض، والانصراف، بل الهروب. كم كنت أرغب بأن أنهض فجأةً بسرعة، وألوذ بالهرب عَدْواً، دون أن أسوّي المنشفة على ركبتي، أو أكترث بقلبْ المائدة.
وكأنه يدرك هذا، كان يتحرّك مثل هرّ يقترب من طريدته. لا يفعل ما يثيرُ جوفي قَطّ. حركاته بطيئة هادئة إلى أبعد حدّ. هذا الصبّر الزّائد يهيج أعصابي.. وكأنه أمرٌ لا يعود لأيّ مخلوق. لا يبدو تُجاهي مثل مخلوق
.............................................................................................................
كان ثمة شيء يولّد الراحة في نفسي، وأنا أنظرُ في صُور سيّدنا عيسى المسيح. شيء يبعث في داخلي جوّاً روحيّاً غريباً. يبدو جلياً أنه ليس مخلوقاً. إنّه في حالة وسطى، هذا واضح تماماً. لكن عينيه تقولان ضمناً «أنا الخالق». إنه يرنو بنظرة موحية، ينظر، وينظر، فيغمر عباده بالشّكر والامتنان، فنشعر معه، نحن العبادَ الضّعفاء، بالعجز والتقصير مهما كنّا شاكرين.
لا ينظر هذا الرجل مجرّد أي نظرة. يا إلهي العظيم! إنّها نظرة إنسان متأمّل، وكأنّه يتأمل كلّ شيء. يُشاهِدُ ملياً، وأثناء ذلك يلهو كثيراً. إنه يُدخل متعة لهوه إلى قلبه. لا تستطيعون أن تلمحوا نشوة هذا اللهو إلاّ في عينيه. وأنا أيضاًودّأوا أودّ أن يكون لي نصيب من هذا اللّهو.
أطنّ أنّ هذا الأمر هو الذي يشدّني كلّ مرة إلى هذه التكيّة، وهذا الرّجل.
كلّما شعرت بقسوة ترينُ على قلبي بعد الاستيقاظ صباحاً، أَلْفيتُ قدميّ تمضيان بي إلى هنا، فأنظّف جسدي من رأسي إلى أخمص قدميّ، وأتطيّب بالعطر الذي يباع في زجاجات صغيرة، وبذلك أهيئ نفسي. وأضع في خرجي تبغاً وشراباً وخبزاً وملحاً، لأقدّمه لهذا الرجّل. وفي كلّ رحْلة ينتابني شعورّ بأنّني أخرج في رحلة طويلة لا عودة منها.
إنّ طريقي في الأصل قصيرة جدّاً. أبدأ مساري من موضع «علي فقيه» وأقف عند جامع «أمراهور»، وأحدّد وجهتي إلى سور «يدي قوله». عشر سنوات وأنا في «استانبول» الجميلة هذه. يُخيّلُ لي أنّني عشت ردحاً طويلاً من الزمن هنا. أحفظ الشوارع كلّها عن ظهر قلب، أعرف كلّ النّاس. في طريقي إلى «يدي قوله» أبادِلُ السّلام دون انقطاع.
أواظب سيري، وأنا ألقي التحيّة، وأتلقّاها من ( الأباريقيّ) والسّرّاج، ونادليّ الخمّارات، صيّادي السّمك، وبائعي الكعك، ومن المسلم وغير المسلم. تراودُني من الأعماق رغبة في الصّراخ:
«هذا المكان لي». نعم، هذا المكان مكاني، هذه الأزقّة وهذه الحوانيت كلّها لي.
وعندما أصل إلى بوّابة «يدي قوله» أسلّم على الجنود الإنكشاريّة أفراد الحامية، فيردّون علي سلامي بالصدّق والدفّء كليهما. ومع ذلك تحدُث في داخلي قشعريرة. وكلّما مررتُ أمام هذا السّور، لا أستطيع أن أضع حدّاً لهذه القشعريرة، وإنْ كنت أعرف هؤلاء الجنود ورئيسي الموظّفين عن قرب. وعند خروجي من أسوار المدينة أيضاً ينقبض داخلي مرّة أخرى.
أودّ أن أركض، لكنّ فسحة الخُضّرة والسّهل أمام عيني تمتدّ على مرمى البصر. أتقدم من بين البساتين يمنة ويسرة. مَرْجٌ أخضر ينبسط أمام العين ومن وراء ذلك المُنْبسط الأخضر، بدأت أسمع الأصوات العالية، وأشمّ الرّوائح الثّقيلة لأعمال الدبّاغةِ، لصانعي الجلود ـ كان الله في عونهم ـ الّذين يكدّون دون انقطاع منذ الآن. بيني وبين هؤلاء الباعة، في المنتصف تماماً يطلّ بابي، محرابي، مصدر سعادتي.
إنه بناء خشبي كبير مؤلّف من طابقَيْن، يقع قبل (قازلي جشمه) بقليل، اسم بابي تكيّة (أريكلي بابا.. الشيخ أريكلي) التي تعود للطّريقة البكداشية(1) لجماعة (الفرقة الناجية). هذه التكية هي مصدر سعادتي.

الصفحات