أنت هنا

قراءة كتاب الوداعات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الوداعات

الوداعات

اونيتي هو من أحد اعظم كتاب أمريكا اللاتينية, فهو بنفس ألاهمية للادب في هذه القارة كما كانه جان بول سارتر في فرنسا في حقبة ما بعد الحرب. في الواقع, لقد نشرت كلا الروايتان "الغثيان" و "البئر" في حدود 1939.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 1
إلى ايديا فيلارينيو
 
كنت أود لو لم أرى من الرجل, في المرة الأولى التي دخل فيها الدكان سوى يديه, بطيئة خائفة ومحرجة, تتحرك دون ثقة, طويلة لم يلفحها الهواء بعد ومعتذراً عن تصرفه اللامبالي. وجّه بعض الاسئلة وتناول زجاجة من الجعة, واقفاً في المكان الأشد عتمة عند منضدة الحانة, ملتفتاً بوجهه ـ بمنظر خلفي على أزواج من صنادل, تقويم ومعلبات ابيضّت مع مرور الزمن ـ نحو الخارج, تجاه شمس الغروب والمرتفعات البنفسجية للجبال, بينما كان ينتظر الحافلة التي ستقله إلى أبواب الفندق القديم.
 
كنت أود لو لم أرى سوى يديه, كان سيكفيني رؤيتهما عندما أعطيته باقي المئة (بيسو) والأصابع تضغط على الورقة النقدية, محاولة لمّها, لتصبح مكورة على الفور ولتخفها الأصابع بحياء في جيب المعطف. كان يمكن لحركات الأصابع تلك فوق خشب المنضدة الممتلئة بالندبات المشبعة بالشحوم والأوساخ أن تكفيني لأعرف أنه لن يُشفى, وأنه لا يعلم شيئاً عن كيف يستمد القوة ليُشفى.
 
عموماً, يكفيني رؤيتها ولا أذكر أني اخطأت ذات مرة, كنت دائماً أقوَّم بنبوآتي قبل أن أعرف آراء الطبيبين كاسترو أو غونز اللذان يعيشان في القرية, دون أي بيانات أخرى, دون الحاجة لشيء الإَّ لرؤية الوافدين الجدد إلى المتجر بحقائبهم, مع ما يحملون من جرعات مختلفة من العار والأمل, التكتمية والتحدي.
 
يعرف الممرض أني لا أخطئ, فعندما يأتي لتناول الطعام أو للعب الورق دائماً ما يلقي عليَّ نفس الأسئلة حول الوجوه الجديدة, ويسخر معي من كاسترو وغونز. ربما أنه يتملقني فحسب, وربما أنه يحترمني لأنني أعيش هنا منذ خمسة عشر عاماً أمضيت اثنا عشر عاماً منها أتدبر استمراري في الحياة بثلاثة أرباع رئة, لا أستطيع القول لماذا أصيب في تنبؤآتي, لكني أعرف أنه ليس لأني كنت مريضاً سابقاً. فيكفي أن أنظر إليهم, لا أكثر, وأحياناً من مجرد سماعهم, لن يستطيع الممرض فهم ذلك, ربما أنا أيضاً لا أفهمه تماماً: أحاول تخمين مدى أهمية ما قالوه لي, أهمية ما جاؤوا للبحث عنه, وأقارن واحدة بأخرى.
 
عندما وصل هذا في حافلة المدينة, كان الممرض جالساً يتناول طعامه في طاولة بجانب شباك النافذة, أحسست أنه يبحث عني بعينيه ليكتشف تشخيصي. دخل الرجل بحقيبة ومعطف طويل بأكتاف عريضة ومنقبضة, محيياً دون أن يبتسم لأن ابتسامته لم تكن لتصدق ولأنها أصبحت عديمة الفائدة أو ذات نتائج عكسية منذ زمن طويل, سنوات طويلة قبل أن يصبح مريضاً. عاودت النظر إليه بينما كان يتناول الجعة, ميمما وجهه تجاه الطريق والجبل, ونظرت إلى يديه وهو يعالج الورقة النقدية على المنضدة, على مرأى مني. لكنه لم يدفع عند المغادرة, وإنما قطع شرابه وجاء من الزاوية, بطيئاً, دون إشفاق على نفسه, مرتاب, ليدفع لي ويلم الأوراق بتلك الأصابع الشابة المخدرة من استحالة قدرته على إمساك الأشياء. عاد إلى الجعة والوضعية المدروسة المتجهة نحو الطريق, حتى لا يرى شيئاً, كأنه لم يكن يريد شئ آخر سوى أن لا يكون معنا, كما لو كان الرجال بقمصانهم المزركشة, والذين بلا حراك تقريباً في العتمة في نهاية انحسار اليوم الربيعي, يشكّلون رمزاً آخر أكثر وضوحاً لمعاناته, يمكن تفاديه بشكل أخف وطأة من الجبال التي بدأت تختلط بلون السماء.

الصفحات