أنت هنا

قراءة كتاب تفسير الأحلام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تفسير الأحلام

تفسير الأحلام

(اعلم) وفقك الله أن مما يحتاج إليه المبتدئ أن يعلم أن جميع ما يرى في المنام على قسمين، فقسم من الله تعالى وقسم من الشيطان، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا من الله والحلم من الشيطان" والمضاف إلى الله تعالى من ذلك هو الصالح، وإن كان جميعه أي الصادقة و

تقييمك:
4.1695
Average: 4.2 (59 votes)
المؤلف:
دار النشر: ektab
الصفحة رقم: 4
(تابع... 1): -الحمد لله رب العالمين وصلى الله على أجل المرسلين سيدنا محمد وعلى... ...
 
قال ابن قتيبة لما كانت الرؤيا على ما أعلمته من خلاف مذاهبها وانصرافها عن أصولها بالزيادة الداخلة والكلمة المعترضة وانتقالها عن سبيل الخير إلى سبيل الشر باختلاف الهيئات واختلاف الزمان والأوقات، وأن تأويلها قد يكون مرة من لفظ الاسم ومرة من معناه ومرة من ضده من كتاب الله تعالى ومرة من الحديث ومرة من المثل السائر والبيت المشهور، احتجب [احتجت؟؟] أن أذكر قبل ذكر الأصول أمثلة في التأويل لأرشدك بها إلى السبيل:
 
فأما التأويل بالأسماء فتحمله على ظاهر اللفظ كرجل يسمى الفضل تتأوله أفضالا ورجل يسمى راشدا تتأوله رشادا أو رشدا أو سالما تتأوله السلامة وأشباه هذا كثيرة وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "رأيت الليلة كأنا في دار عقبة بن رافع فأتينا برطب ابن طاب فأولت الرفعة لنا في الدنيا والآخرة وأن ديننا قد طاب" فأخذ من رافع الرفعة وأخذ من رطب ابن طاب طيب الدين وحكى عن شريك بن أبي نمر قال رأيت أسناني في النوم وقعت فسألت عنها سعيد بن المسيب فقال أو ساءك ذلك أن صدقت رؤياك لم يبق من أسنانك أحد إلا مات قبلك فعبرها سعيد باللفظ لا بالأصل لأن الأصل في الأسنان أنها القرابة وحكى عن بشر بن أبي العالية قال سألت محمدا عن رجل رأى كأن فمه سقط كله فقال هذا رجل قطع قرابته فعبرها محمد بالأصل لا باللفظ وحكى عن الأصمعي قال اشترى رجل أرضا فرأى أن ابن أخيه يمشي فيها فلا يطأ إلا على رأس حية فقال إن صدقت رؤياه لم يرس فيها شيء إلا حي قال وربما اعتبر الاسم إذا كثرت حروفه بالبعض على مذهب القائف والزاجر مثل السفرجل إذا رآه ولم يكن في الرؤيا ما يدل على أنه مرض تأوله سفرا لأن شطره سفر وكذلك السوسن أن عدل به عما ينسب إليه في التأويل وحمل على ظاهر اسمه تأول فيه السوء لأن شطره سوء قال الشاعر:
 
وسوسنة أعطيتها فما * كنت بإعطائي لها محسنه
 
أولها سوء فإن جئت بالآ * خر (بالآخر) منها فهو سوء سنه
 
وأما التفسير بالمعنى فأكثر التأويل عليه كالأترج إن لم يكن مالا وولدا عبر بالنفاق لمخالفة ظاهره وباطنه قال الشاعر:
 
أهدى له أحبابه أترجة * فبكى وأشفق من عيافة زاجر
 
متعجبا لما أتته وطعمها * لونان باطنها خلاف الظاهر
 
وأما التأويل بالمثل السائر واللفظ المبتذل فكقولهم في الضائع إنه رجل كذوب لما جرى على ألسنة الناس من قولهم فلان يصوغ الأحاديث وكقولهم فيمن يرى أن في يديه طولا أنه يصنع المعروف لما جرى على ألسنة الناس من قولهم هو أطول يدا منك وأمد باعا أي أكثر عطاء وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه رضى الله عنهن: "أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا". فكانت زينب بنت جحش أول أزواجه موتا وكانت تعين المجاهدين وترفدهم وكقولهم في المرض إنه نفاق لما جرى على ألسنة الناس لمن لا يصح لك وعده هو مريض في القول والوعد وقال الله عز وجل: {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا}. أي نفاقا وكقولهم في المخاط أنه ولد لما جرى على ألسنة الناس من قولهم لمن أشبه أباه هو مخطته والهر مخطة الأسد وأصل هذا أن الأسد كان حمله نوح عليه السلام في السفينة فلما آذاهم الفأر دعا الله تعالى نوح فاستنثر الأسد فخرجت الهرة بنثرته وجاءت أشبه شيء به وكقولهم فيمن رمى الناس بالسهام أو البندق أو حذفهم أو قذفهم بالحجارة إنه يذكرهم ويغتابهم لما جرى على ألسنة الناس من قولهم رميت فلانا بالفاحشة وقال تعالى: {والذين يرمون المحصنات} و {والذين يرمون أزواجهم}. وكقولهم فيمن قطعت أعضاؤه إنه يسافر ويفارق عشيرته أو ولده في البلاد لما جرى على ألسنة الناس من قولهم تقطعوا في البلاد والله عز وجل يقول في قوم سبأ: {ومزقناهم كل ممزق}. وقال: {وقطعناهم في الأرض أمما} وكقولهم في الجراد إنها في بعض الأحوال غوغاء الناس لأن الغوغاء عند العرب الجراد وكقولهم فيمن غسل يديه بالأشنان إنه اليأس من شيء يطلبه لقول الناس لمن ييأس منه قد غسلت يدي منك بأشنان قال الشاعر:
 
واغسل يديك باشنان وأبقهما * غسل الجنابة من معروف عثمان
 
[لعل مراده أن غسل الجنابة هو من الصفات التي عرف بها عثمان رضي الله عنه، أي واظب عليها، والله أعلم. دار الحديث]
 
وكقولهم في الكبش إنه رجل عزيز منيع لقول الناس هذا كبش القوم وكقولهم في الصقر إنه رجل له شجاعة وشوكة لقول الناس هو صقر من الرجال قال أبو طالب:
 
تتابع فيها كل صقر كأنه * إذا ما مشى في رفرف الدرع أجرد
 
وأما التأويل بالضد والمقلوب فقولهم في البكاء إنه فرح وفي الضحك أنه حزن وكقولهم في الرجلين يصطرعان والشمس والقمر يقتتلان إذا من جنس واحد أن المصروع هو الغالب والصارع هو المغلوب وفي الحجامة إنها صك وشرط وفي الصك إنه حجامة وقولهم في الطاعون إنه حرب وفي الحرب إنه طاعون وفي السيل إنه عدو وفي العدو إنه سيل وفي أكل التين إنه ندامة وفي الندامة إنه أكل تين وفيمن يرى أنه مات ولم يكن لموته هيئة الموت من بكاء أو حفر قبر أو إحضار كفن إنه ينهدم بعض داره وقولهم في الجراد إنه جند وفي الجند إنه جراد
 
وأما تعبير الرؤيا بالزيادة والنقصان فكقولهم في البكاء إنه فرح فإنه كان معه رنة كان مصيبة وفي الضحك إنه حزن فإن كان تبسما كان صالحا وقولهم في الجوز إنه مال مكنوز فإن كان معه قعقعة فإنه خصومة وفي الدهن إذا أخذ منه بقدر فإنه زينة فإن سال على الوجه فإنه غم وإن كثر على الرأس كان مداهنة للرئيس وفي الزعفران إنه ثناء حسن فإن ظهر له لون في ثوب أو جسد فهو مرض أو وهم وفي الضرب إنه كسوة فإن ضرب وهو مكتوف فهو ثناء سوء يثنى عليه لا يمكنه دفعه ولمن يرى أن له ريشا فهو رياش وخير فإن طار بجناحه سافر سفرا في سلطان بقدر ما علا عن الأرض وفيمن يرى أن يده قطعت وهي معه قد أحررها أنه يستفيد أخا أو ولدا فإن رأى أنها فارقته وسقطت فإنها مصيبة في أخ أو ولد وفي المريض أنه يرى أنه صحيح يخرج من منزله ولا يتكلم أنه يموت فإن تكلم فإنه يبرأ وفي الفأر أنها نساء ما لم تختلف ألوانها فإن اختلفت فكان فيها الأبيض والأسود فهي الليالي والأيام وفي السمك إذا عرف الإنسان عدده إنه نساء فإذا كثر عدده فهو مال وغنيمة
 
وقد تعبر الرؤيا بالوقت كقولهم في راكب الفيل إنه ينال أمرا جسما قليل المنفعة فإن رأى ذلك في نور النهار طلق امرأته أو أصابه بسببها سوء وفي الرحمة إنها إنسان أحمق قذر وأصدق الرؤيا بالأسحار وبالقائلة وأصدق الأوقات وقت انعقاد الأنوار ووقت ينع الثمر وإدراكه وأضعفها الشتاء ورؤيا النهار أقوى من رؤيا الليل
 
وقد تتغير الرؤيا عن أصلها باختلاف هيئات الناس وصناعاتهم وأقدارهم وأديانهم فتكون لواحد رحمة وعلى آخر عذابا ومن عجيب أمر الرؤيا أن الرجل يرى في المنام أن نكبة نكبته وأن خيرا أوصل إليه فتصيبه تلك النكبة بعينها ويناله ذلك الخير بعينه وفي الدراهم إذا رأوها أن يصيبوها وفي الولاية إذا رأوها أن يلوها وفي الحج إذا رأوه أن يحجوا وفي الغائب يقدم في المنام فيقدم في اليقظة وربما رأى الصبي الصغير الشيء فكان لأحد أبويه والعبد فكان لسيده والمرأة فكان لبعلها أو لأهل بيتها (وحكى) أن عمر بن الخطاب رضوان الله عليه وجه قاضيا إلى الشام فسار ثم رجع من الطريق فقال له ما ردك قال رأيت في المنام كأن الشمس والقمر يقتتلان وكأن الكواكب بعضها مع الشمس وبعضها مع القمر قال عمر مع أيهما كنت قال مع القمر قال انطلق لا تعمل لي عملا أبدا ثم قرأ: {فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة} فلما كان يوم صفين قتل الرجل مع أهل الشام وبلغني أن الرجل هو جابر بن سعيد الطائي (حدث إسحاق بن إبراهيم الموصلي) قال كنت عند يزيد بن مزيد فقال إني رأيت رؤيا عجيبة ودعا بعابر فقال رأيت كأني أخذت طيطوى لأذبحه فأمررت السكين على حلقه ثلاث مرات فانقلبت ثم ذبحته في الرابعة فقال رأيت خيرا هذه بكر عالجتها فلم تقدر عليها ثلاث مرات ثم قدرت عليها في الرابعة قال نعم وصغا إليه فقال في الرؤيا شيء قال ما هو قال كانت هناك ضريطة من الجارية قال صدقت والله فكيف علمت قال إن اسم الطائر طيطوى
 
(قال ابن قتيبة) رضى الله عنه يجب على العابر التثبيت فيما يرد عليه وترك التعسف ولا يأنف من أن يقول لما يشكل عليه لا أعرفه، وقد كان محمد بن سيرين إمام الناس في هذا الفن، وكان ما يمسك عنه أكثر مما يفسر، (وحدث الأصمعي) عن أبي المقدام أو قرة بن خالد قال كنت أحضر ابن سيرين يسأل عن الرؤيا فكنت أحزره يعبر مكان كل أربعين واحدة (قال ابن قتيبة) وتفهم كلام صاحب الرؤيا وتبينه ثم اعرضه على الأصول فإن رايته كلاما صحيحا يدل على معان مستقيمة يشبه بعضها بعضا عبرت الرؤيا بعد مسألتك الله تعالى أن يوفقك للصواب
 
وإن وجدت الرؤيا تحتمل معنيين متضادين نظرت أيهما أولى بألفاظها وأقرب من أصولها فحملتها عليه

الصفحات