كتاب (جماليات السرديات التراثية، دراسات تطبيقية في السرد العربي القديم) يتناول بعض الأشكال السردية القديمة، في النص النثري القديم، تحليلاً وتأويلاً ؛ للكشف عن ذلك المخبوء المعمّى، المستتر خلف حكائية هذه السرديات التراثية، بغية إعادة اكتشافها، والانفتاح عليه
أنت هنا
قراءة كتاب جماليات السرديات التراثية - دراسات تطبيقية في السرد العربي القديم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

جماليات السرديات التراثية - دراسات تطبيقية في السرد العربي القديم
المقدمة
كتاب (جماليات السرديات التراثية، دراسات تطبيقية في السرد العربي القديم) يتناول بعض الأشكال السردية القديمة، في النص النثري القديم، تحليلاً وتأويلاً ؛ للكشف عن ذلك المخبوء المعمّى، المستتر خلف حكائية هذه السرديات التراثية، بغية إعادة اكتشافها، والانفتاح عليها من منظور أكثر اتساعًا، عبر تحليل أبنيتها السردية والدلالية ، مع الأخذ بالحسبان اختلاف السياقاتِ الثقافية لكلِّ نصٍّ منها.
يُشار إلى أن السرديات التراثية تتوزع على أنواع كثيرة، إلا أن ما ورد منها في هذا الكتاب يمثل عددًا محدودًا من هذه الأنواع، لكنه في الوقت نفسه يعطي نماذج حية من هذا التراث الضخم، الذي يستحق مزيدًا من البحث، والغوص في بحره لاكتشاف ما فيه من كنوز ثقافية ومعرفية ثرة خصبة.
لقد حاولت الدراساتُ التي تضمنها هذا الكتابُ أن تكشف هذا المعمى، من خلال تناولها عددًا من هذه السرديات، بأشكالها ومضامينها المتنوعة، موزعةً على ستة فصول، يمثل كل فصلٍ منها نوعًا سرديًا معينًا، ما بين الحكاية التاريخية، والعجائبية والشعبية والمنام والنادرة:
الفصل الأول، وهو دراسة بعنوان: الحكاية التاريخية في الموروث السردي حكاية الوليد بن يزيد ويزيد بن عبد الملك قراءة تأويلية.
من البديهي أن نعرف، أن أي نص، لا يعبر عن الحقيقة وحدها، إنما يعبر عن آخرَ يعززه دليل، يغري بالكشف عنه في هذا النص، مع مراعاة خصوصيته وسياقات تأويله. وموضوع هذا الفصل حكايةٌ شخوصها حقيقيون، وأحداثها كذلك؛ فقد وقعت هذه الأحداث في العصر الأموي. لكن، أُدخلت فيها شخوص متخيلة ـ أنيطت بها أدوار ذات ملامح واقعية، من هنا، جاءت هذه الدراسة؛ للكشف عن القصد وراء ذلك، بتأويل يعطي هذه الحكاية معناها في سياقها التاريخي.
الفصل الثاني، وهو دراسة بعنوان: "الحكاية العشقية في مصارع العشاق حكاية جناية السبع على العاشِقَيْن البناء والموتيف" وهذه الدراسة تمحورت حول تقنيات السرد في هذه الحكاية، مع محاولة التوقف عند "موتيفات" بعينها تُطلّ برأسها عبر مجرياتها، وتعكس بعض ملامح السلوك الاجتماعي والمعتقد الثقافي والأخلاقي في المجتمع العربي، الذي عاش فيه العشاق قديماً. وتحدثت الدراسة – كذلك – عن إمكانية وضعِ الرواة لهذه الحكايات؛ ربما بقصد تسليط الضوء على الأعراف والتقاليد في العلاقات الاجتماعية، التي سادت المجتمعات آنذاك علاوة على التشويق والإثارة.
الفصل الثالث، وهو بعنوان: الحكائيـة ودلالـة السـرد فـي كتـاب سلوان المطاع في عدوان الأتبـاع لابن ظُفُر الصقلّي (ت 565هـ/ 1169م)، وهو عبارة عن دراسة تسلّط الضَّوْءَ على هذا الكتاب ، وتحديداً على المادةِ الحكائيةِ فيه، مع التركيزِ على حكاية "سابور بن هرمز وقيصر الروم"، التي جمعت في ثناياها نوعين من أشكال التعبير في الأدب الشعبي، وهما: الحكاية الشعبية والحكاية الخرافية (حكاية الحيوان).
وهذه الدراسة، إذ تركز على المادة الحكائية في الكتاب، فهي تحاول إبراز ملامح السردية وتقنياتها ودلالاتها، وربط ما في الحكاية -المشار إليها- من إشارات خاصة بالحكم وأولي الأمر، مع ما كان من أحداثٍ جارية في القرن السادس الهجري، وكيفية تصرف أولي الأمر آنذاك إزاءَ الأحداثِ الخطيرة، وكيف كان يجب أن يكونَ، وذلك من خلالِ شخصيةٍ محوريةٍ في العمل الحكائي المذكور، ونعني بها، شخصية وزيرِ الملك سابور.
الفصل الرابع: وهو دراسة بعنوان: المنامات في نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي قراءة في المضمون والدلالة.
منذ قرون بعيدة، استقطبت المنامات اهتمامَ المسلمين تأويلاً وتفسيرًا، وفرضت نفسها بقوة عليهم؛ لارتباطها الوثيق بثقافتهم المجتمعية ومعتقداتهم الدينية، ولارتباطها بأعرافهم وتقاليدهم، فتحكمت بهم وسيطرت على أذهانهم، وسلوكهم، وبما أن الرؤيا في حقيقتها فعل باطني، ومجموعة من الأحداث المتخيلة في النوم، فلا يمكن أن تستنبط دلالتها أو تنكشف إلا حين تتحول إلى (سرد) يقوم به الرائي ويتواصل به قصًا أو حكيًا مع طرف آخر، وحين تتحول الأحداث المتخيلة إلى سياق سردي قصصي، عندها يصبح التأويل ممكنًا.
وتتجلى في نصوص الرؤى والمنامات ملكة التصور، والقدرة على التخيل، الذي يخرجها من التقريرية إلى الرمز، ومن المباشرة إلى التأويل، فالرؤى والمنامات تكشف المخبوء، وتعلن عن المخفي وهي في كل ذلك، تحمل أنساقاً ذات توجهات تهدف إلى أداء رسالة محددة واضحة.
يضاف إلى ذلك أن الرؤى والمنامات في التراث الإسلامي في العصر الوسيط ذات دلالات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحركة المكان والزمان، وبحركة التاريخ والثقافة، بل إنها كانت توجه إنسان ذلك العصر، حتى في قراراته وتوجهاته، لارتباطها أساساً بالتكهن وتوقع ما ستأتي به الأيام، من هنا يجدر الاهتمام بها كنوع سردي؛ حتى يتمكن الدارس من دراسة المجتمعات الثقافية المنتجة لهذه الرؤى والأحلام في ضوء المعطيات التي تتوافر عليها هذه الوحدات السردية، مما لم يرد في الموروثات الثقافية الأخرى التي أنتجتها هذه المجتمعات عينها، وأعني بالتحديد: الشعر والنثر الرسميين، وهذا عينه هدف هذه الدراسة.
الفصل الخامس: وهو بعنوان: السقطة، عامل توليد الضحك في نادرة الأدب العباسي. والسقطة، أو: Down Fall، أو: Fallhoehe، وهي: قوة التعارض بين المستوى المتوقع الحصول والمستوى الذي حصل فعلاً ". معنى ذلك: أنه في نقطة معينة، عندما يتوقع المرء استمراراً منطقياً في مستوى معين مطروح يظهر عنصر غير ملائم من المستوى الآخر، مع أنه عنصر يمكن أن يكون منطقيًا جدًا، عكس خلفيته في المستوى الآخر، وهذا التناقض أو التعارض هو مفتاح الروح الفكاهية في تلك النوادر. وهذا الفصل يهتم بهذا العامل الأساسي الذي يجعل النوادر مضحكة، إضافة إلى استعراض بعض النظريات الحديثة حول ظاهرة الضحك، وتطبيقها على ثلاث نوادر قديمة.
الفصل السادس، وهو بعنوان: من حكايات ألف ليلة وليلة: حكاية أبي محمد الكسلان، دراسة تحليلية تأويلية .
تتميّز حكاية أبي محمد الكسلان في أنها ذات سمات استقلالية: فهي لم تتولد عن غيرها، ولم يتولد عنهاغيرُها، كما هي الحال في الحكايات الأخرى. ومع ذلك، فهذه الحكاية لم تستقلّ عن الحكاية الإطار – حكاية شهرزاد - استقلالاً تاماً؛ فهناك روابط خفية تربطها بها، وهذه الروابط لا يمكن أن تستعصي على الباحث الجاد، الذي يتناول النص بالقراءة المتأنية والتأويل السليم. يُضاف إلى ذلك، أن هذه الحكاية تحتوي على مفاتيح أو (تيمات)، تشكل عوناً للدارس على كشف المبهم، وفك الغامض. وحكاية " أبي محمد الكسلان" كمثيلاتها في "الليالي"، لا تنسلخ عن البيئة العربية والثقافة الإسلامية: ففيها مواقف عدة وإشارات واضحة تنم عن ذلك، مع ما فيها من العجائبية والغرائبية، ومع ما فيها من الجن والعفاريت. وقد حاولت هذه الدراسة الوقوف على ما خفي وراء ذلك كله، من خلال تأويل معطياتها.
وأخيراً، أرجو أن أكون قد أضفت ولو نقطةً، إلى بحر الدراسات السردية الحديثة، التي لا تزال تبحث في الموروثات السردية القديمة عن ضالة لم تجدها بعد، والله ولي التوفيق،
مي أحمد يوسف
عمان في 21/3/2011 جامعة اليرموك