أنت هنا

قراءة كتاب نهج البلاغة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نهج البلاغة

نهج البلاغة

نَهْجُ البَلاغَة وهو مجموع ما اختاره الشريف أبو الحسن محمد الرضي بن الحسن الموسوي من كلام أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب 

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: ektab
الصفحة رقم: 2
و أرَدْتُ أن يَسُوغَ ِليَ التَّمَثُلُ في الافتخارِ به ( عليه السلام ) بقولِ الفَرَزْدَقِ :
 
أولئك آبائي فَجِئني بِمِثْلِهِمْ * إذا جَمَعَتْنا يا جَريرُ المَجامِعُ
 
و رأيتُ كلامَهُ ( عليه السلام ) يَدورُ على أقطابٍ ثلاثَةٍ : أولُها الخُطَبُ و الأوامِرُ ، و ثانيها الكتبُ و الرسائلُ ، و ثالِثُها الحِكَمُ و المواعِظُ ، فأجْمَعْتُ بتوفيقِ الله تعالى على الابتداءِ باختيارِ محاسِنِ الخُطَبِ ، ثُمَ محاسِنِ الكتبِ ، ثُمَ محاسِنِ الحِكَمِ و الأدبِ ، مُفْرِداً لكُلِ صِنفٍ مِنْ ذلكَ باباً ، و مُفَصِلاً فيهِ أوراقاً ، لتكونَ مُقَدِمَةً لِاِسْتِدراكِ ما عَساهُ يَشُذُّّ عَنّي عاجِلًا ، و يَقَعُ إليَّ آجلاً ، و إذا جاءَ شي‏ءٌ مِن كلامِهِ ( عليه السلام ) الخارجِ في أثناءِ حِوارٍ ، أو جوابِ سؤالٍ ، أو غَرَضٍ آخَرَ مِنَ الأغْراضِ في غيرِ الأنْحاءِ التي ذَكَرتُها ، و قَرَّرْتُ القاعِدَةَ عليها نَسَبْتُهُ إلى أَلْيَقِ الأبْوابِ بِهِ ، و أَشَّدِها مُلامَحَةً لِغَرَضِهِ ، و رُبَّما جاء فيما أَختارُهُ من ذلكَ فُصُولٌ غَيرُ مُتَّسِقَةٍ ، و محاسِنُ كَلِمٍ غَيْرُ مُنتَظِمَةٍ ، لأنّي أوُرِدُ النُّكَتَ و اللُّمَعَ ، و لا أقْصِدُ التَّتالِيَ و النَّسَقَ .
 
و مِن عَجائِبِهِ ( عليه السلام ) التي اَنْفَرَدَ بها ، و أَمِنَ المُشارَكَةَ فيها ، أنَّ كلامَهُ الوارِدَ في الزُّهدِ و المواعِظِ و التَّذكيرِ و الزَّواجِرِ ، إذا تَأَمَلَهُ المُتَأمِّلُ ، و فَكَّرَ فيهِ المتَفَكِّرُ ، و خَلَعَ مِن قَلبِهِ أنَّهُ كلامُ مِثْلِهِ مِمَّن عَظُمَ قَدرُهُ ، و نَفَذَ أمرُهُ ، و أحاطَ بالرِّقابِ مُلكُهُ ، لم يَعتَرِضْهُ الشَّكُ في أنهُ كلامِ مَنْ لا حَظَّ لَهُ في غيرِ الزَّهادَةِ ، و لا شُغلَ لَهُ بغيرِ العِبادَةِ ، قد قَبَعَ في كِسْرِ بَيتٍ ، أوِ انْقَطَعَ إلى سَفْحِ جبلٍ ، لا يَسمَعُ إلّا حِسَهُ ، و لا يَرى إلّا نَفسَهُ ، و لا يَكادُ يُوقِّنُ بأنَّهُ كلامُ مَن يَنْغَمِسُ في الحَربِ مُصْلِتاً سَيْفَهُ ، فَيَقُطُّ الرِّقابَ ، و يُجَدِّلُ الأبطالَ ، و يَعُودُ
 
بِهِ يَنْطِفُ دَمَاً ، و يَقطُرُ مُهَجاً ، و هو معَ تلكَ الحالِ زاهِدُ الزُّهّادِ ، و بَدَلُ الأبْدالِ ، و هذهِ مِن فَضائِلِهِ العَجيبَةِ ، و خَصائصِهِ اللَطِيفَةِ التي جَمَعَ بها بينَ الأضدادِ ، و ألَّفَ بينَ الأشتاتِ ، و كثيراً ما أُذاكِرُ الإخوانَ بها ، و أَستَخرِجُ عَجَبَهُمْ مِنها ، و هي مَوْضِعٌ لِلْعِبْرَةِ بها و الفِكْرَةِ فيها .
 
و رُبَّما جاءَ في أثناءِ هذا الاختيارِ ، اللَّفظُ المُرَدَّدُ ، و المَعْنَى المُكَرَّرُ ، و العُذرُ في ذلكَ أن رواياتِ كلامِهِ تَخْتَلِفُ اختِلافاً شديداً فَرُبَّما اتَّفَقَ الكلامُ المختارُ في روايةٍ فَنُقِلَ على وجهِهِ ، ثُمَّ وُجِدَ بَعْدَ ذلكَ في روايةٍ أُخرى مَوْضُوعاً غَيرَ موضعِهِ الأوَّلِ ، إمّا بِزيادَةٍ مختارَةٍ ، أوْ بِلَفظٍ أَحْسَنَ عِبارَةً ، فَتَقْتَضِي الحالُ أنْ يُعادَ اسْتِظهاراً لِلاِختيارِ ، و غَيْرَةً على عَقائِلِ الكَلامِ ، و رُبَّما بَعُدَ العَهْدُ أيْضاً بما اخْتِيرَ أوَّلاً ، فَأُعِيدَ بَعضُهُ سَهْواً أو نِسياناً ، لا قَصداً و اعتِماداً ، و لا أَدَّعِي معَ ذلكَ أنّي أُحيطُ بِأقطارِ جميعِ كلامِهِ ( عليه السلام ) ، حتى لا يَشُذُّ عنّي منهُ شاذٌّ ، و لا يَنِدَّ نادٌّ ، بَل لا أُبعِدُ أنْ يَكونَ القاصِرُ عنّي فوقَ الواقِعِ إليَّ ، و الحاصِلُ في رِبقَتِي دونَ الخارِجِ مِن يَدَيَّ ، و ما عَلَيَّ إلا بَذْلُ الجُهْدِ و بلاغة الوسعِ ، و على الله سبحانه و تعالى نهجُ السبيلِ ، و إرشادُ الدليلِ إن شاء الله .
 
و رأيتُ مِنْ بَعدُ تَسمِيَةَ هذا الكتابِ بِنَهجِ البَلاغَةِ ، إذ كانَ يَفتَحُ لِلنّاظِرِ فيهِ أبوابَها ، و يُقَرِّبُ عليهِ طِلابَها ، فيه حاجَةُ العالِِمِ و المُتَعَلِّمِ ، و بُغْيَةُ البَلِيغِ و الزّاهِدِ ، و يمضِي في أثنائِهِ مِنْ عَجيبِ الكلامِ في التَوْحِيدِ و العدلِ ، و تَنزيهِ اللهِ سبحانه و تعالى عَنْ شِبْهِ الخَلقِ ما هو بِلالُ كُلِّ غُلَّةٍ و شِفاءُ كلِّ عِلِّةٍ و جَلاءُ كُلِّ شُبهَةٍ و من اللهِ سبحانه أَسْتَمِدُّ التَّوفِيقَ و العِصمَةَ و أَتَنَجَّزُ التَّسدِيدَ و المَعونَةَ و أَسْتَعِيذُهُ من خَطإ الجَنانِ قَبلَ خَطإ اللِّسانِ و مِن زَلَّةِ الكَلِمِ قَبلَ زَلَّةِ القَدَمِ و هُوَ حَسْبِي و نِعْمَ الوَكيلُ .

الصفحات