بعد نشر روايتي الثانية ظلال الواحد في نسختها الرقمية على شبكة الإنترنت فوجئت بأن العديد أو الغالبية العظمى من المثقفين في وسطنا الأدبي لم يقرأ الرواية، واتضح لي أنّ هناك العديد منهم لا يعرف حتى التّعامل مع جهاز الحاسوب، بينما قال البعض الآخر إنهم غير معتادي
أنت هنا
قراءة كتاب رواية الواقعية الرقمية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
رواية الواقعية الرقمية
إن الكتابة مغامرة كما هي الحياة، والروائي مغامر تماماً كما هو الإنسان، وكما يختلف البشر تختلف الكتابة، فالإنسان القانع الراضي بما ترميه إليه الحياة من فتات موائد الآخرين لن يكون مبدعاً ولا خلاّقاً، ذلك لأنّ الإبداع دخول في المجهول، في اللاواضح، واللامحدود، واللاثابت، ومن يحاول أنْ يبدع بأساليب وطرق سلكها الآخرون قبله ليس مبدعاً وإنما مقلداً·
إنّ الطرق القديمة قد عافتها الأقدام، والرواية بحاجة إلى طرق أخرى لم تسلكها قدم من قبل، طريق ضبابية وغير واضحة ولا محددة، ولن تتضح إلاّ حين يجلس الرائي أمام رعبه الأزرق ليكتب ويبدع·
إنّ الكتابة رعب لأنها دخول في اللامعروف، في الطرق المجهولة الوعرة، والرّواية الموجودة بشكلها الحالي قد ملتها الكتابة وملّها القراء والقلوب· إنّ الرواية بشكلها الحالي قد عداها الزمن، ذلك لأنّ الزمن لم يعد نفس الزمن، والجغرافيا لم تعد نفس الجغرافيا والناس لم يعودوا نفس الناس·
يقول بل جيتس عن الزّمن القادم وإنسان الزمن القادم في كتابه: Business @ the Sped of Thought: Succeeding in the Digital Economy سوف تعيد مقاييس المعدات والبرمجيات والاتصالات هذه تشكيل مسلك الأعمال والمستهلكين، ففي خلال عقد من الزمن سيستعمل معظم الناس الحواسيب الشخصية بانتظام في العمل والبيت، وسيستخدمون البريد الإلكتروني بصورة روتينية، ويرتبطون بالإنترنت ويحملون أجهزة رقمية تحوي معلومات عنهم وعن أعمالهم، ستظهر أجهزة استهلاكية جديدة تتناول في شكل رقمي كل أنواع البيانات تقريباً: النّص والأرقام والصوت البشري والصور المتحركة ويضيف قائلاً بعد أنْ ينحت مصطلحاً جديداً تماماً هو أسلوب حياة الشبكة: Web life style وأسلوب عمل الشبكة Web work style وهما مصطلحان جديدان تماماً على أدبيات التقنية اخترعهما ليعبر بهما عن الحياة القادمة وطبيعة العلاقات المتبادلة بين ناس الزمن القادم· يقول مبشراً بالمستقبل إننا اليوم لا نتصل عادة بالمعلومات إلاّ عندما نكون على مكاتبنا موصلين إلى الإنترنت بسلك مادي، أمّا في المستقبل فستوجد أجهزة رقمية نقالة ستجعلنا على اتصال دائم مع نظم أخرى وناس آخرين، كما أنّ أجهزتنا المستخدمة يومياً مثل عدادات الماء والكهرباء والأنظمة الأمنية والسيارات ستكون موصولة لتقوم بإبلاغنا عن أدائها وحالتها· إنّ كل تطبيق من تطبيقات المعلومات الرقمية هذه يقترب الآن من نقطة انعطاف هائلة، والتي عندها سيصبح التغيير فيما يستعمله المستهلكون مفاجئاً وهائلاً، وهي معاً ستحول أساليب حياتنا وعالم الأعمال تحويلاً جذرياً!
ويتوسع بل جيتس في توضيح مفهوم الـ Web life style حين يطلق على العصر القادم كله مصطلح العصر الرقمي، منبهاً إلى أهمية الاتصالية قائلاً تأخذ الاتصالية في العصر الرقمي معنى أوسع من مجرد وضع شخصين أو أكثر على اتصال، فالإنترنت تخلق مجالاً شمولياً لتقاسم المعلومات والتعاون والعمل والتجارة·
وهو يسمى الاتصالية والقدرة على التواصل في العصر الرقمي بالنظام العصبي الرقمي (Digital nervous system) الذي يوازي الجهاز العصبي لدى الإنسان (Central nervous system) المكون أساساً من النخاع الشوكي الذي لولا وجوده لما وجد الإنسان·
ويشير بل جيتس في كتابه هذا إلى أنّ التكنولوجيات البدائية التي ابتكرها الإنسان كانت بدورها تغيّر من طرائق وأساليب عيش الناس كليةً، ويعطي مثلاً على ذلك بحلول عصر الكهرباء، فقبل أنْ تصبح البنى التحتيّة الكهربائية شائعة في المدن، لم تكن لدى الناس أدنى فكرة حول الأجهزة الكهربائية كالهاتف والتلفزيون، وهي الأجهزة التي كتب لها أنْ تغير العالم·
ويمكن النظر إلى الإنترنت على أنها تطبيق كهربائي، فالعالم قبل الكهرباء غير العالم بعد الكهرباء، وكذلك فانّ العالم قبل الإنترنت غير العالم بعد الإنترنت·
ما الذي يعنيه هذا ؟؟
لقد نشر بل جيتس كتابه عام 0002م (أكتب هذه الكلمات في عام 2002م وقد تعدى العصر الرقمي ما توقعه بل جيتس بكثير) هذا متوجهاً إلى رجال الأعمال وقطاع المديرين التنفيذيين للشركات وربما لم يكن يعنيه أنْ تستنبط من كلماته هذه نظريات أدبية في فنّ الرّواية، ولكن ما الذي يعنيه هذا ··؟
ألا يعني أنّ العالم القديم قد انتهى، وأنّ هنالك عالماً جديداً ومختلفاً تماماً آخذاً بالتشكل·
لقد جاءت الرّواية لتعبر عن العالم سواء رفضاً أو إيجابياً ولتستشرف المستقبل، والروائي مكتشف قبل كلّ شيء لأنّ له عيناً ثالثة ليست لدى الآخرين - الروائي المبدع لا المقلد طبعاً - وهذا الروائي معني تماماً بالزمن ··· الزمن القادم، وبالجغرافيا الأخرى ··· الجغرافيا القادمة ····