كتاب "الفتاوى الكبرى" - الجزء الرابع يضم بأجزاءه الخمسة عشر فتاوى الإمام ابن تيمية في أغلب المسائل الشرعية، حيث يجد فيه المسلم ضالته في الإجابة على كثير من التساؤلات التي تعترضه في أموره الدينية والدنيوية، والتي من خلال هذه الفتاوى يسير على هدي الكتاب والسن
أنت هنا
قراءة كتاب الفتاوى الكبرى الجزء الرابع
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
وَقَدْ { صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الصَّلَاةُ مَعَ الْوَسْوَاسِ مُطْلَقًا } .
وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ .
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْوَسْوَاسَ كُلَّمَا قَلَّ فِي الصَّلَاةِ كَانَ أَكْمَلَ ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُحَدِّثْ فِيهِمَا نَفْسَهُ ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } .
وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ عَلَيْهِمَا بِوَجْهِهِ ، وَقَلْبِهِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } .
وَمَا زَالَ فِي الْمُصَلِّينَ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ ، كَمَا قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فِي ثَلَاثِ خِصَالٍ ، لَوْ كُنْت فِي سَائِرِ أَحْوَالِي أَكُونُ فِيهِنَّ : كُنْت أَنَا أَنَا ؛ إذَا كُنْت فِي الصَّلَاةِ لَا أُحَدِّثُ نَفْسِي بِغَيْرِ مَا أَنَا فِيهِ ، وَإِذَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا لَا يَقَعُ فِي قَلْبِي رَيْبٌ أَنَّهُ الْحَقُّ ، وَإِذَا كُنْت فِي جِنَازَةٍ لَمْ أُحَدِّثْ نَفْسِي بِغَيْرِ مَا تَقُولُ ، وَيُقَالُ لَهَا .
وَكَانَ مَسْلَمَةُ بْنُ بَشَّارٍ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ ، فَانْهَدَمَ طَائِفَةٌ مِنْهُ وَقَامَ النَّاسُ ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَشْعُرْ .
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَسْجُدُ ، فَأَتَى الْمَنْجَنِيقُ فَأَخَذَ طَائِفَةً مِنْ ثَوْبِهِ ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ .
وَقَالُوا لِعَامِرِ بْنِ عَبْدِ الْقَيْسِ : أَتُحَدِّثُ نَفْسَك بِشَيْءٍ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ : أَوَ شَيْءٌ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ
الصَّلَاةِ أُحَدِّثُ بِهِ نَفْسِي ؟ قَالُوا : إنَّا لَنُحَدِّثُ أَنْفُسَنَا فِي الصَّلَاةِ ، فَقَالَ : أَبِالْجَنَّةِ وَالْحُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؟ فَقَالُوا : لَا ، وَلَكِنْ بِأَهْلِينَا وَأَمْوَالِنَا ، فَقَالَ : لَأَنْ تَخْتَلِفَ الْأَسِنَّةُ فِي أَحَبُّ إلَيَّ وَأَمْثَالُ هَذَا مُتَعَدِّدٌ .
وَاَلَّذِي يُعِينُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئَانِ : قُوَّةُ الْمُقْتَضِي ، وَضَعْفُ الشَّاغِلِ .
أَمَّا الْأَوَّلُ : فَاجْتِهَادُ الْعَبْدِ فِي أَنْ يَعْقِلَ مَا يَقُولُهُ وَيَفْعَلَهُ ، وَيَتَدَبَّرَ الْقِرَاءَةَ وَالذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ ، وَيَسْتَحْضِرَ أَنَّهُ مُنَاجٍ لِلَّهِ تَعَالَى ، كَأَنَّهُ يَرَاهُ ، فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا كَانَ قَائِمًا فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ .
وَالْإِحْسَانُ : أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك ، ثُمَّ كُلَّمَا ذَاقَ الْعَبْدُ حَلَاوَةَ الصَّلَاةِ كَانَ انْجِذَابُهُ إلَيْهَا أَوْكَدَ ، وَهَذَا يَكُونُ بِحَسَبِ قُوَّةِ الْإِيمَانِ .