كتاب "الفتاوى الكبرى" - الجزء الخامس، يضم بأجزاءه الخمسة عشر فتاوى الإمام ابن تيمية في أغلب المسائل الشرعية، حيث يجد فيه المسلم ضالته في الإجابة على كثير من التساؤلات التي تعترضه في أموره الدينية والدنيوية، والتي من خلال هذه الفتاوى يسير على هدي الكتاب والس
أنت هنا
قراءة كتاب الفتاوى الكبرى الجزء الخامس
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
فَقَالَ : لَمْ يَبْلُغْنِي هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ بِبَلْدَتِنَا .
وَلَا يُصْلِحُ آخِرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إلَّا مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا ، وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَصَدْرِهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إلَّا مَنْ جَاءَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ أَرَادَهُ .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : رَأَيْت أَهْلَ الْمَدِينَةِ إذَا خَرَجُوا مِنْهَا أَوْ دَخَلُوهَا أَتَوْا الْقَبْرَ وَسَلَّمُوا ، قَالَ : وَذَلِكَ دَأْبِي ، فَهَذَا مَالِكٌ وَهُوَ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ أَيْ زَمَنِ تَابِعِ التَّابِعِينَ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ الَّذِينَ كَانَ أَهْلُهَا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا يُشْرَعُ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُونَ الْوُقُوفَ لِلدُّعَاءِ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَيْهِ ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ هُوَ الدُّعَاءُ لَهُ وَلِصَاحِبَيْهِ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا لَا يُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ كُلَّ وَقْتٍ ، بَلْ عِنْدَ الْقُدُومِ مِنْ سَفَرٍ أَوْ إرَادَتِهِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَحِيَّةٌ لَهُ ، وَالْمُحَيَّا لَا يُقْصَدُ بَيْتُهُ كُلَّ وَقْتٍ لِتَحِيَّتِهِ بِخِلَافِ الْقَادِمِينَ مِنْ السَّفَرِ .
وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي وَهْبٍ : إذَا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقِفُ وَجْهُهُ إلَى الْقَبْرِ لَا إلَى الْقِبْلَةِ ، وَيَدْنُو وَيُسَلِّمُ وَلَا يَمَسُّ الْقَبْرَ بِيَدِهِ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُقَالَ زُرْنَا قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ كَرَاهَةُ مَالِكٍ لَهُ لِإِضَافَتِهِ إلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ : { اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ } " يَنْهَى عَنْ إضَافَةِ هَذَا
اللَّفْظِ إلَى الْقَبْرِ وَالتَّشَبُّهِ بِفِعْلِ ذَلِكَ قَطْعًا لِلذَّرِيعَةِ وَحَسْمًا لِلْبَابِ .
قُلْت : وَالْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ الْمَرْوِيَّةُ فِي زِيَارَةِ قَبْرِهِ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ ، بَلْ مَوْضُوعَةٌ لَمْ يَرْوِ الْأَئِمَّةُ ، وَلَا أَهْلُ السُّنَنِ الْمُتَّبَعَةِ : كَسُنَنِ أَبِي دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَنَحْوِهِمَا ، فِيهَا شَيْئًا وَلَكِنْ جَاءَ لَفْظُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ ، مِثْلِ : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ } " .
{ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ إذَا زَارُوا الْقُبُورَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ، يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ ، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ } " .
وَلَكِنْ صَارَ لَفْظُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فِي عُرْفِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ يَتَنَاوَلُ الزِّيَارَةَ الْبِدْعِيَّةَ وَالزِّيَارَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَسْتَعْمِلُونَهَا إلَّا بِالْمَعْنَى الْبِدْعِيِّ لَا الشَّرْعِيِّ ، فَلِهَذَا كُرِهَ هَذَا الْإِطْلَاقُ ، فَأَمَّا الزِّيَارَةُ الشَّرْعِيَّةُ فَهِيَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ يُقْصَدُ بِهَا الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ كَمَا يُقْصَدُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ .
كَمَا قَالَ اللَّهُ فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } .
فَلَمَّا نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالْقِيَامِ عَلَى قُبُورِهِمْ دَلَّ ذَلِكَ بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْخِطَابِ وَعِلَّةِ الْحُكْمِ أَنَّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ وَالْقِيَامُ عَلَى قَبْرِهِ بَعْدَ الدَّفْنِ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَبْلَ الدَّفْنِ يُرَادُ بِهِ الدُّعَاءُ لَهُ .
وَهَذَا هُوَ الَّذِي مَضَتْ بِهِ السُّنَّةُ ، وَاسْتَحَبَّهُ السَّلَفُ عِنْدَ زِيَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ ، وَأَمَّا
الزِّيَارَةُ الْبِدْعِيَّةُ فَهِيَ مِنْ جِنْسِ الشِّرْكِ ، وَالذَّرِيعَةِ إلَيْهِ كَمَا فَعَلَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عِنْدَ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ .
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْهُ فِي الصِّحَاحِ ، وَالسُّنَنِ ، وَالْمَسَانِيدِ : { لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ } " يُحَذِّرُ مِمَّا صَنَعُوا .
وَقَالَ : { إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ } " .
وَقَالَ : { إنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمْ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ وَاَلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ } .
وَقَالَ : { لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ ، وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ } " .