هذا الكتيّب الجميل يحوي ثلاث كلمات ارتجلها الداعية العالمي، المستشار الشيخ عبد الله العقيل، في ثلاثة أماكن، وفي مناسبة مرور مئة عام على مولد الإمام الشهيد حسن البنا – طيّب الله ثراه، وجعل مثواه روضة من رياض الجنة - .
أنت هنا
قراءة كتاب كلمات مرتجلة في مئوية الإمام الشهيد حسن البنا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

كلمات مرتجلة في مئوية الإمام الشهيد حسن البنا
وأزيدكم أيضاً معلومة عثرت عليها وأنا أؤلف كتابي: (من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة)، حيث كان الذي استقرّ في ذهني واستقرّ في أذهان الكثير من إخواننا: أن أول شعبة للإخوان فُتحت هي في بلاد الشام سواء كانت سورية أو فلسطين أو الأردن – هذا المعروف لدينا سابقاً – وأنا بالنسبة لي كان هذا إلى عهد قريب إلى قبل عشر سنوات، ولكني وأنا أكتب ترجمة الأخ عبد العزيز العلي المطوع رحمه الله وهو الأخ الأكبر لأبي بدر رحمه الله، وإذا بي أجد في مجلة (الإخوان المسلمون) في عددها الصادر في 22 من صفر 1352هـ = الموافق: 24/6/1933م، أنه في سنة 1933م تم فتح شعبة للإخوان المسلمين في مدينة (جيبوتي) في الصومال، قام بفتحها طلبة صوماليون كانوا يدرسون في مصر وتأثروا بفكر الإخوان، فهذه بالنسبة لي معلومة جديدة.
فالذي أقوله أيها الأخوة: إن الأستاذ الإمام البنا كان بحراً زاخراً في العلم متمكناً، وكان داعية موفقاً، وكان رجلاً ربانياً، وكما ذكر إخواننا من قبل: إن خير وصف وُصف به هو من ذاك الأمريكي الذي جاء يدرس شخصيته وهو (روبير جاكسون) وقال عنه بأنه هو : (الرجل القرآني).
الأستاذ الإمام البنا رحمه الله لم يأت بشيء جديد، كُلُّ ما جاء به الأستاذ الإمام البنا مستقى من الكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة مما لا نصَّ فيه، ومنهج الأستاذ الإمام البنا رحمه الله منهج متميز يسير على جمع الأمة على المتفق عليه من الأمور، وأسلوبه في التعامل مع الأفراد: أن يتعامل مع الخيرية في كل إنسان لأن الأستاذ الإمام البنا رحمه الله وكما وضح ذلك الأخ الشيخ سعيد حوى رحمه الله حينما زارنا في الكويت وقاله لنا في الديوانية: كان الأستاذ البنا يفقه قول الحق تبارك وتعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا،فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا،قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا،وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس: 7-10] فكل نفس بشرية فيها الخير وفيها الشر وكما يقول الإمام الشافعي: "ليس أحد من الناس يطيع الله فلا يعصيه أبداً، وليس أحد من الناس يعصيه فلا يطيعه أبداً، ولكن من غلب خيره على شره فهو عدل".
فالأستاذ الإمام البنا رحمه الله يتعامل مع الخيرية في كل إنسان مهما كان هذا الإنسان موغلاً في مجالات الخطيئة والمعصية لأنه يأمل في أن يكثر جانب الخير في نفسه ليغطّي على جانب الشر فيها، فتحسن حاله وترقى.. هذا كان منهجه رحمه الله.
ومن ثم نرى أنه يبعد كل البعد عن اللجاج والخصام مع الأفراد والجماعات، ويحرص على تبيان الحقائق بأدلتها، ولا زلت أذكر - ونحن طلاب - وتأتينا الجريدة اليومية للإخوان المسلمين، وفيها بالبنط العريض: "من مدرس الخط إلى صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس" استغربنا.. فإذا بالأستاذ الإمام البنا يعاتب الأستاذ صالح عشماوي لأنه رد على هجوم جرائد الوفد وجريدة البلاغ الوفدية التي أسفَّت، فكان عندها باب معين: "هذه الجماعة تهوي"، في كل عدد تكتب" هذه الجماعة تهوي"، وتكتب مقالات في نقد الإخوان، ثم كتب أحد كتاب الوفد، يقول: من أنت يا حسن البنا، أنت مدرس خط في مدرسة ابتدائية تتطاول على صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا؟، فكتب صالح العشماوي مقالاً شديد اللهجة في الرد عليه. فمنع الأستاذ الإمام البنا نشر هذا المقال، وقال: اكتبْ: "من مدرس الخط إلى صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا"، فكان الإمام البنا يمتص العداوات من الأفراد والجماعات والهيئات والأحزاب كلها وكان عنده من الثقة بنفسه وبربه أولاً أنه قادر بمنهج الإسلام أن يستلَّ السخائم من القلوب، وأن يكون منهج الإخوان هو المنهج الحق باعتباره منهج الإسلام كان الأستاذ الإمام البنا رحمه الله رغم ظهوره في بيئة مصرية تدعو إلى الفرعونية والقومية والاعتزاز بالتراث وأمجاد الأمم التي سبقت الإسلام، كان اعتزاز الإمام البنا بالإسلام وبالإسلام وحده، فكانت دعوته دعوة عالمية - كما ذكر أستاذنا الشيخ الدكتور عبد العزيز الخياط - الذي كُنّا نقرأ له ونحن طلاب في صفحة (حول العالم الإسلامي) باسم "أخبار العالم الإسلامي" و "الوطن الإسلامي" وكان الأستاذ - الإمام البنا يعنى عناية تامة بطلبة البعوث الإسلامية القادمين إلى الأزهر وكان يوصي الإخوان بالاهتمام بهم وقد لاحظنا هذا نحن حينما ذهبنا إلى مصر للدراسة من تلامذته كيف كانوا يحتووننا ويبحثون لنا عن الشقق لنسكنها،ويُيسرون لنا سبل الدراسة، ويُذاكرون معنا، ويُهيئون لنا كلّ ما يُريحنا وهكذا.. فكانت عنايته بكل العالم الإسلامي، وكانت مصر - إذ ذاك أيضاً – مأوى، كما ذكر أستاذنا كامل الشريف - لدعاة العالم الإسلامي وزعمائه كان كل من يهرب من جور حكامه في العالم الإسلامي، يأتي إلى مصر فيحتمي بأهلها الكرام، فكان لجوء أمين الحسيني، ومغامرة الدكتور معروف الدواليبي في تهريبه من فرنسا إلى مصر، حيث احتواه الإخوان المسلمون، والزعيم علال الفاسي، والفضيل الورتلاني والبشير الإبراهيمي ومحيي الدين القليبي وفلان وفلان إلى آخره.. وكل هؤلاء سمعنا من أفواههم عن دور الإخوان المسلمين وعن دور الإمام البنا على الأخص في دعم المجاهدين وحركات التحرر الوطني في العالم الإسلامي.
لذلك أقول: إنه كان عالمي النظرة كان عالمي العمل كان عالمي الحركة كان يعنى بالوطن الإسلامي، وكانت - كما ذكر أستاذنا كامل الشريف وهو المختص في هذا الجانب - قضية فلسطين تحتل في نفسه وفي قلبه وفي روحه وفي تفكيره مكان الصدارة إلى أن لقي الله وأعتبره أنا ويعتبره الكثيرون شهيد فلسطين. كان رحمه الله يهتم اهتماماً كبيراً في تربية الإخوان ويقول لهم: كونوا كالشجر، يرميها الناس بالحجر، فتلقي إليهم بالثمر. اصبروا فالزمن بصالحكم وكونوا أنتم الأسوة والقدوة والناس إنما يتأثرون بسمت الإنسان وخلقه ومعاملاته أكثر مما يتأثرون بفصاحته؛ حتى لو كانت عندك فصاحة قس بن ساعدة الإيادي وبلاغته ما أثرت في الناس إذا كان سلوكك يختلف عن الكلام الذي تقوله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته