أنت هنا

قراءة كتاب تدافع العقول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تدافع العقول

تدافع العقول

يمثل هذا الكتاب محاولة نقدية لأطروحات الإلغاء والتغييب والتصادم، وعمليات التضييق المستمر على العقل المتعدد النشاطات والمجالات والمعاقلات. السؤال المحوري فيه هو: لماذا أغلقنا على عقلنا العربي ووضعناه في خانة المتهم؟ ولماذا تفرغ عقولاً شتى؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

تقديم

من أين يستمد الشيء هويته، من الاسم ذي الوظيفة والدلالة، أم من المعنى، الذي يحتمل الالتباس، والاختلاف، والتأويل، وإعادة التأويل، فلا يعود حصره ممكناً، فكل كشف عنه يحمل معنى ولا معنى.
هكذا نحن إزاء الحداثة والعقلانية العلمية وما بعدها، إزاء العالمية والعولمة، إزاء ثورة الاتصالات والمعلومات والأرقام، والتقنيات المتخطية للعوالم، إزاء أنماط السلوك والتفكير والمعرفة والاعتقاد والثقافة والديمقراطية والفوضى اللا متناهية والتفكيك والهيمنة والارتداد والصدام والحوار، والاختراق والتبني، والقبول وعدم القبول والعقل ونفي العقل،... إزاء التعقيدات والتشابك والتذرير والالتباس والتحول في العلاقات بين المجتمعات والدول، إزاء الواقع الجديد الذي أنتجته الأزمة المالية العالمية وأنتجه تصدع الليبرالية الحديثة.
بموازاة ذلك ينبغي النظر إلى التراكمات العلمية والمعرفية المنتجة في المراحل الزمانية، والمكانية كافة، من قِبل الناس، وفي كل المستويات الحياتية، إذ لم يعد بإمكان منطق الإلغاء تغييب أيّ كان فرداً أم مجتمعاً أم دولة عن التاريخ مثلما فعل مع الهنود الحمر، سواء استخدم القهر أدواته المباشرة لشن الحروب، مثلما حصل على فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان... أو بوساطة أدوات غير مباشرة كاستخدام منظرين وكُتّاب ومبشرين ودعاة حرية وعملاء وقتلة مأجورين وحكام متسلطين.
في القرن العشرين وكذلك في الواحد والعشرين، استمر التضييق على العقل المتعدد النشاطات والمجالات والمعاقلات، وتواصل انكماش أدواره وضمورها، وهذا ما أدّى في حالات عديدة إلى انطواء تكويناته على نفسها والدخول في زمن مغالبة السلطة على غير صعيد.
منذ الثورة الصناعية والغربي يستخدمنا وقوداً لناره، ونحن نجود بدمائنا ومياهنا وأرضنا ونفطنا، لإضرام نار الحداد الغربي، الذي ما زال يتعامل معنا على أننا مستوردون تابعون، ويحاصرنا بقوة الآلة في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق والخليج والسودان والصومال... إلخ.
بعد قتله اللَّه في نفسه، عمل الغربي بمقولة نيتشه La Mort de Dieu، وقلب القِيم الإنسانية، والموازين الأخلاقية، واستخدم كل أدواته ووسائطه التي سوغتها غاياته، ليحول مجتمعه إلى مجتمع التقنيات المتطورة، مجتمع العلم والعولمة والمال، مستفيداً ومستغلاً كل التجارب البشرية المعرفية والعلمية والسياسية.
ونحن العرب، وإن كان اللَّه معنا (مثلما ندعي)، ما زلنا حتى اليوم بين أخذ ورد حول إمكانيات إنتاج حداثتنا، وهل ينبغي لنا ذلك قبل الدخول في العولمة؟ ونسينا أننا أنتجناها قبل قرون عديدة تلت تأسيس دولة الإسلام في المدينة المنورة زمن الرسول الأعظم محمد بن عبد اللَّه (ص).
ونسأل أنفسنا هنا، هل صحيح الأخذ بالنموذج الغربي وتطبيقه؟ فيما نداء عقل العقل يقول لنا إن عقلنا العلمي قادر على أن يكون مرجع ذاته، فهل سنبقى عرضة لسلطات التفكيك والتذرير في عالم ذري استنساخي؟
لقد سبقنا ابن رشد والفارابي والخوارزمي وجعفر الصادق وابن الهيثم وابن سينا وغيرهم، إلى رؤية معرفية وفقهية وثقافية تداخلت في ثناياها دورة الاجتماع العامة، كانت تنبه وتشير وتساعد على بناء السياسيات المتغايرة التي أفضت إلى ترسيخ خطوط انتظام وحراك متعدد في المجتمع، وبناه الثقافية والسياسية، ونحن أغلقنا عقلنا ووضعناه في خانة المتهم، وفرضنا القيود عليه، وحمَّلنا مسائلنا المعرفية الكثير من التلبيس والالتباس في تعابيرها الاجتماعية والاعتقادية والسياسية والدينية والقومية، حتى بات السؤال القرآني ﮋ ﮭ ﮮﮊ، موجهاً بقوة إلينا في كل لحظة وفي كل مكان.
زكي جمعة

الصفحات