كتاب "ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين"؛ ...وقد يحدث التغيير بالقوة نظراً لإيمان مجموعات به نتيجة معتقدات أفرادها وتصوّرهم أو بسبب حسن النية والحماسة المفرطة وعدم فقه المنهج التغييري، أو استدراج الاحتجاجات السلمية لعسكرتها لتبرير استخدام القوة.
أنت هنا
قراءة كتاب ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
فالغرب ينظم أفراده المتطرفين ويُحشّدهم على شكل جيوش، ثم يدربهم وينصب قواعده الحربية في كل أنحاء العالم بذريعة محاربة الإرهاب. وليفرّغ شحناتهم القتالية لجيوشه، وبالتالي ليقضوا على كل تطرف في بلدانهم قد يصيبهم من بني جلدتهم. لم يقتلوهم في صراعات داخلية ولم يسجنوهم بل غزوا بهم العالم الإسلامي والعربي. بل أكثر من ذلك وعلى مستوى الانتخابات الداخلية لا يحقق أي رئيس نجاحاً باهراً إلا بشنّ حرب خارجية ويصبح كل قتيل من دم المسلمين صوتاً إضافياً ورصيداً انتخابياً ورأياً عامّاً في مصلحته. أما نحن فنقاتل بعضنا البعض بشعاراتهم وأسماء فُرضت علينا إلى أن يصبح البلد مهيأ لهم للتدخل في شؤوننا الداخلية ونصبح عرضة لكل باب شر، لأننا كبلنا الطاقات المقاومة التي تصنع الحياة، ولم ننظمها في جيوش لتحرير الأراضي المسلوبة المغتصبة وإرجاع الحقوق العربية والإسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين.
إن ما يجري في العالم العربي من حراك جماهيري واسع، ما هو إلا تعبير صادق عن وجدانه وضميره، وتعبير عن وجوده وشعوره العام بالتغيير التلقائي بأيدٍ عربية وليس صناعة غربية.
ولا هو بأيدٍ خفية مشبوهة من الداخل ولا هي إيحاءات إمبريالية خارجية، ولا هي ثورات قومية أو حزبية أو طائفية ولا هي ثورات طبقية، ولا هو مجرد حالات تمرد وافتعال أزمة، ولا هي انقلابات عسكرية دموية أو تحرك آني وظرفي فرضه الواقع المعاش، ولا هو حراك ضدّ ردود أفعال أو حتى انتقام من أوضاع اقتصادية متردية كما يتوهم البعض أو مجرد انتقام من أشخاص وتبديلهم بآخرين، فهذا الحراك أولاً وقبل كل شيء هو رغبات شعوب وليست ثورة أحد، خرجت من رحمه «من الشعب وإلى الشعب» بكل أطياف المجتمع ومكوناته وأجياله؛ فالشعب وحده من يملك الثورة وله حق العزل والتنحية وحق الاصطفاء والاختيار، وعلى الأنظمة تلبية إرادة الشعوب لسحب البساط من كل أشكال التدخل قبل غرق السفينة.
وقد حاولت قـراءة المشهد الثوري في جميع الاتجاهات وبموضوعية لإثراء ما بين السطور ووضع النقاط على الحروف باستقراء تجارب ثورات عربية سلمية وشبه سلمية ودموية، ونقل وقائع وأحداث قد يصعب استحضار إحساس مشاهدها بعد حين، وقد نخطئ التشخيص لعدم اكتمال الصورة الحقيقية الكاملة وبلورة المشهد بكل أبعاده. لقد نجحت بسلميتها في تونس ومصر، ونجحت بالعنف في ليبيا، وبدرجة أقل في اليمن [3].
ولكل ثورة تجربة خاصة ورصيد في المنهج التغييري، وتحليلي لتلك الظاهرة المثيرة لم يكن من باب مشروعيتها أو غير مشروعيتها من الناحية الشرعية أو المواثيق الدولية والقوانين العرفية، وهذا من اختصاص رجال القانون والفقهاء، وقد ساند معظم العلماء الأكابر من كل أنحاء العالم هذا الحراك الشعبي وأشادوا بوعي الشعوب الرافضة لحكم الاستبداد. فمن جهةٍ، ليس من الإنصاف أن نستفتي الفقه الإسلامي لحل أزمات ليس مسؤولاً عنها بعد إبعاده عن الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكل شؤون الحياة، ومن جهة أخرى ليست هذه الثورات ببدع في الطبيعة البشرية والسنن الاجتماعية، لأن ما يحدث في العالم العربي من تحولات سياسية واجتماعية للحصول على الحرية والتخلص من الاستبداد والظلم والفساد قد تم في الدول الأوروبية وعلى الخصوص فرنسا في سنة 1789،وقضت الثورة على الاستبداد والظلم وإلغاء الملكية المطلقة والامتيازات الإقطاعية للطبقة الارستقراطية.
[وهذا لا يعني استنساخ كل التجارب المرّة والحلوة أو أن الثورات غير قابلة للنقد أو أنها لا تخلو من تجاوزات وسلبيات].
ونجحت فرنسا بإقامة الجمهورية الثانية وتنازل الملك لويس فيليب عن العرش الملكي، وسارت على وتيرته الدول الأوروبية الأخرى ألمانيا والنمسا.. لتحطيم الرجعية والأمبراطوريات وأسقطوا كل النظم الإقطاعية والنفوذ الديني. وساد آنذاك شعار - الحرية - العدل- المساواة. ثم جاءت الثورة البلشفية في روسيا الاتحادية 1917 وما حدث في أوروبا «الكتلة الشرقية» سنة 1989 بعد الحرب الباردة بسقوط الأنظمة الاشتراكية بعد أن ترقت إلى مراتب الديكتاتوريات العربية.. إلى الثورة الأوكرانية «البرتقالية» سنة 2004 وانهيار الأحزاب الشيوعية في أوروبا الشرقية، وتوحدت أوروبا بعد إسقاط الديكتاتوريات والقضاء على الحكم الفردي واقتلاع الأسر العاجزة على الإصلاح وعلى محاربة الفساد من جذوره، فالأولى أسرة آل بوربون في فرنسا والثانية الأسرة القيصرية في روسيا.
إلى متى ستظل الشعوب العربية صامتة مكتوفة الأيدي، راضية بالدون، قابلة بهذا الفشل الكمي في كل المجالات، قابلة بهذا الوضع المتعفن المزمن، صابرة على الأنواء ولغة الوعيد والتهديد والاضطهاد والتخوين والاستضعاف والإفقار والتيئيس تنتظر استجابة القدر وتدفع ثمن أخطاء الاستبداد.