تحتوي مجموعة "ليل آخر" على واحدة وأربعين قصة، تنوعت ما بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا، دارت معظم أجوائها ـ كما تشي عنواينها ـ ما بين العتمة والجوع والبكاء والغفوة والإغفاءة والدمعات والضجيج وسوء الفهم والخطى العارية والنداءات والدوائر والليالي والظلال
أنت هنا
قراءة كتاب ليـل آخــر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
بكــــاء
أهرب من جموع تطاردني ترتدي السواد، تلهث خلفي مثل كلاب بوليسية مدرَبة تنبثق من الفراغ بضجيج منتظم تتشكّل جماعات متقاربة وتطاردني أركض... ألهثُ.. لكن الأشكال السوداء تستمر بمطاردتي, تتنظم بخطوط مستقيمة أشبه بطرق متوازية, تتابع التدافع يا رب! لماذا يطاردونني؟! لا أتذكر بأني أسأت لأحد, أنا إنسان مسالم لا أتقن الخروج عن المألوف والاعتراض! ولا أعداء لي كي يدبروا لي انتقاماً ... لماذا؟!
فجأة يتوقف كل شيء ويعم سكون تام, تتجمد الأشكال خلفي تصطف بانتظام كأنما تتهيأ للانقضاض عليّ, لكني لم أعُد أحس بالخطر أو بالخوف أقبعُ في مكاني لكني ماذا دهاني لماذا لا أستغلُّ هذه الهدنة غير المعلنة إلا من طرف واحد... لم لا أستغلها للهروب؟! فرصة قد لا تتكرر خاصة أنّه من الواضح بأني لست من يضع الشروط هنا, لكن إلى أين أهرب؟!!
أنظرُ حولي ثمة مدى من البياض الممتد بلا انتهاء , أنظر أمامي وأشهقُ برعب! ثمة وجه ضخم يظهر قبالتي, لا يبدو بأنه يراني, تمسك أصابعه الضخمة بفنجان قهوة يرشف منه رشفات متتالية قبل أن يمد أصابعه على لوحة مفاتيح مثبتة أمامه ويتابع ويا للهول!!! تعاود الأشكال التوالد وتطاردني أركض وألهث بقهر أود الصرااآخ الاستغاثة, أقرع الزجاج أمامي أتذكر موقف الغواص الذي نسيه فريقه في المحيط وغادر دونه, كيف أخذَ بالصراخ بعد أن انتظر لساعات, لم يكن أمامه إلا مدى مفتوح من الماء, وثمة أسماك القرش التي تترصَّد رائحته, كان عاجزا إلا أن يترك جسده ينجرف مع تيار الماء, أتذكر لكم تألمت لأجله لأجد نفسي الآن في موقف شبيه! لكن ما حولي بياض محايد ساكن وما يطاردني ليس أسماك قرش أو كائنات بحرية بل أشكال سوداء تتوالد بانتظام من الفراغ وأمامي آدمي ضخم لا يكترث بوجودي ولا يأبه بصراخي... لم لا أهرب؟ أبدأُ بالانزلاق على البياض، آه يبدو الأمر أسهل مما تصورت, ها أنا أبتعدُ عن الجيوش السوداء اللاهثة خلفي لا شيء حولي إلا البياض كأني مجرد نقطة في صفحة, أتكئ على إحدى الحواف الجانبية لأستريح، أرقبُ الآدمي الضخم وهو يتابع عمله بتثاقل, أتلصص عليه وهو يمسك بالخليوي ويتحدث, المسكين يبدو حزينا، يتحدث بانفعال وهو يضم أصابعه الضخمة, أنصت لكلماته التي تتسلل لمسمعي بانفعال: كأنّ جيش الوقت يطاردني مش مرتاح حتى في نومي ضغط... ضغط والله أنا مش آله !! ابني مريض ومرتي "حردانة" عند أهلها حاسة شغلي على الحاسوب ضرّتها !... مش لاحق مصاريف والشغل فوق راسي ولازم أكمله اليوم!!
يلقي بالخليوي يغطي عينيه بكفه ويبكي!! دموعه تجرّني للبكاء، أتفاعل معه دون أن يدري... نبكي معا!