كتاب "القدس قضية كل مسلم - سلسلة رسائل ترشيد الصحوة"، تأليف الإمام يوسف القرضاوي، هذه هى الرسالة العاشرة من (رسائل ترشيد الصحوة) وهى تتحدث عن قضية فى غاية الأهمية والخطورة علينا نحن العرب والمسلمين ، حيثما كنا فى أرض الله ، هى قضية القدس الشريف .
أنت هنا
قراءة كتاب القدس قضية كل مسلم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

القدس قضية كل مسلم
القدس أرض الإسراء والمعراج
وثانى ما تمثله القدس فى الوعى الإسلامى : أن الله تعالى جعلها منتهى رحلة الإسراء الأرضية ، ومبتدأ رحلة المعراج السماوية ، فقد شاءت إرادة الله أن تبدأ هذه الرحلة الأرضية المحمدية الليلية المباركة من مكة ومن المسجد الحرام ، حيث يقيم الرسول * ، وأن تنتهى عند المسجد الأقصى ، ولم يكن هذا اعتباطا ولا جزافًا ، بل كان ذلك بتدبير إلهى ولحكمة ربانية ، وهى أن يلتقى خاتم الرسل والنبيين هناك بالرسل الكرام ، ويصلى بهم إمامًا ، وفى هذا إعلان عن انتقال القيادة الدينية للعالم من بنى إسرائيل إلى أمة جديدة ، ورسول جديد ، وكتاب جديد : أمة عالمية ، ورسول عالمى ، وكتاب عالمى ، كما قال تـعـالى : ) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) (الأنبياء:107)، ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا )(الفرقان:1)
لقد نص القرآن على مبتدأ هذه الرحلة ومنتهاها بجلاء فى أول آية فى السورة التى حملت اسم هذه الرحلة (سورة الإسراء) فقال تعالى :) سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (الإسراء:1). والآية لم تصف المسجد الحرام بأى صفة مع ماله من بركات وأمجاد ، ولكنها وصفت المسجد الأقصى بهذا الوصف ( الذي باركنا حوله )، وإذا كان ما حوله مباركًا ، فمن باب أولى أن يكون هو مباركًا .
وقصة الإسراء والمعراج حافلة بالرموز والدلالات التى توحى بأهمية هذا المكان المبارك ، الذى ربط فيه جبريل البراق ، الدابة العجيبة التى كانت وسيلة الانتقال من مكة إلى القدس ، وقد ربطها بالصخرة حتى يعود من الرحلة الأخرى ، التى بدأت من القدس أو المسجد الأقصى إلى السموات العلا ، إلى =سدرة المنتهى+ ، وقد أورث ذلك المسلمين من ذكريات الرحلة : الصخرة ، وحائط البراق .
لو لم تكن القدس مقصودة فى هذه الرحلة ، لأمكن العروج من مكة إلى السماء مباشرة ، ولكن المرور بهذه المحطة القدسية أمر مقصود ، كما دل على ذلك القرآن الكريم والأحاديث الشريفة .
ومن ثمرات رحلة الإسراء : الربط بين مبتدأ الإسراء ومنتهاه ، وبعبارة أخرى بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى ، وهذا الربط له إيحاؤه وتأثيره فى وعى الإنسان المسلم وضميره ووجدانه ، بحيث لا تنفصل قدسية أحد المسجدين عن قدسية الآخر ، ومن فرط فى أحدهما أوشك أن يفرط فى الآخر .
القدس ثالث المدن المعظمة
والقدس ثالث المدن المعظمة فى الإسلام ؛ فالمدينة الأولى فى الإسلام هى مكة المكرمة ، التى شرفها الله بالمسجد الحرام . والمدينة الثانية فى الإسلام هى طيبة ، أو المدينة المنورة ، التى شرفها الله بالمسجد النبوى ، والتى ضمت قبر الرسول * . والمدينة الثالثة فى الإسلام هى القدس أو بيت المقدس ، والتى شرفها الله بالمسجد الأقصى ، الذى بارك الله حوله ، وفى هذا صح الحديث المتفق عليه عن أبى هريرة وأبى سعيد الخدرى ، عن النبى * أنه قال : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدى هذا+ .
فالمساجد كلها متساوية فى مثوبة من صلى فيها ، ولا يجوز للمسلم أن يشد رحاله ، بمعنى أن يعزم على السفر والارتحال للصلاة فى أى مسجد كان ، إلا للصلاة فى هذه الثلاثة المتميزة . وقد جاء الحديث بصيغة الحصر ، فلا يقاس عليها غيرها .
وقد أعلن القرآن عن أهمية المسجد الأقصى وبركته ، قبل بناء المسجد النبوى ، وقبل الهجرة بسنوات ، وقد جاءت الأحاديث النبوية تؤكد ما قرره القرآن ، منها الحديث المذكور ، والحديث الآخر : الصلاة فى المسجد الأقصى تعدل خمسمائة صلاة فى غيره من المساجد ، ما عدا المسجد الحرام ، والمسجد النبوى [متفق عليه] ومنها ، ما رواه أبو ذر ، أن النبى * سئل : أى المساجد بنى فى الأرض أول؟ قال : المسجد الحرام+ ، قيل ثم أى؟ قال : المسجد الأقصى(1).
والإسلام حين جعل المسجد الأقصى ثالث المسجدين العظيمين فى الإسلام ، وبالتالى أضاف القدس إلى المدينتين الإسلاميتين المعظمتين : مكة والمدينة ، إنما أراد بذلك أن يقرر مبدأ هاما من مبادئه ، وهـو أنـه جـاء ليبنـى لا ليهـدم ، وليتمـم لا ليحطم ، فالقدس كانت أرض النبوات ، والمسلمون أولى الناس بأنبياء الله ورسله كما قال الرسول * ليهود المدينة : نحن أولى بموسى منكم .