أنت هنا

قراءة كتاب بحث في الإقتصاد العادل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بحث في الإقتصاد العادل

بحث في الإقتصاد العادل

كتاب " بحث في الإقتصاد العادل " ، تأليف بيار كالام ، ترجمه إلى العربية محمد صالح فليس ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

وإذا كنت لا أقلّل من أهمية هذه الإجماليّة الاقتصاديّة ومن جدتها النسبية، حتّى وإن جاء كتاب فيليب نورِلّْ (Philippe Norel) اختراع السّوق، تاريخ اقتصاديّ للعولمة([2]) ليذكّر في أوانه بعراقة التجارة العالميّة (نسبة انفتاح الاقتصاديّات على التجارة الخارجيّة لم تكن سنة 1990 أرفع ممّا كانت عليه قرناً قبل ذلك، وهو ما طمسته النزعة الحمائية لما بين الحربين!) بمقدار ما يذكّر بتعقد العلاقات التي تأسست على مرّ القرون بين الدول والسّوق، وبين السلطـات السياسيّة والتجـار. ولا أقلّل كذلك من الأهمية– ولي عـودة إلى هـذا الأمر –، التي اكتساها تاريخيّاً التوحيد ثم الإخلال بتوازن الأسواق الماليّة، وهو ما أطلق عليه المولنة (اختصار العالم ببعده الماليّ)، ومن ثمة فإنَّ اتّخاذ الإجماليّة الاقتصاديّة ومولنة العالم مصدر كلّ آلامنا ينطوي على خطوة كبيرة لا أعتقد أنَّه من المفيد قطعها، لاسيّما وأن القائمة الطويلة للمشكلات لا تصنع إستراتيجيّة، كما أنَّ التعرف على السبب الأوّل يحمل في ذاته رؤية تبسيطية للإستراتيجيّة: فلنُزِلِ السبب الأوّل، وفجأة كلّ شيء سوف يسير على أفضل ما يكون في أفضل العوالم. وإذا كان الأمس قد عرف الثورة السياسيّة لإقامة الشيوعيّة فإنَّ اليوم هو للتصدي للإجماليّة الاقتصاديّة ولإخضاع العالم لمنطق المال. ولكن من أجل أيّ هدف؟ مع كامل التقدير لطاقة التعبئة لجمعيّة أتّاك (Attac)، والأمل الذي ولّده التطوّر السريع للجمعيّة على المستوى العالميّ والتعاطف الشخصيّ الذي أكنّه لبعض منشطيها فقد اعتبرت، منذ المنطلق، بأنَّه من الخطأ أن ينبني هذا التحشيد على كذبة، على فكرة أنَّ إخضاع العملات لسلطة المال وللتأرجح هو مصدر كلّ آلامنا، ومن ثمة فإنَّ فرض ضريبة على التدفّقات الماليّة من شأنه أن يحلّ الأساسيّ في المشكلات، وقد تطلب الأمر بضع سنوات لكي يعترف مسؤولو أتّاك بخطأ اعتقادهم، وليغيروا مجرى الرهان من فرض ضريبة على تدفّقات الرساميل من أرضيّة مرابح المضاربة حيث كانت ضريبة توبيْن (Tobin)، في تقديري، غير ذات جدوى تقريباً، إلى أرضيّة البحث عن قواعد صلبة لفرض ضريبة عالميّة في خدمة التنمية، وهو الأصح. ولا غرو، فقد التقيت خارج فرنسا مناضلين أسخياء ومقتنعين، بناء على سمعة مطلقي حركة أتّاك وجدّيتهم، بضرورة السير خلف قادة يملكون الحلول البسيطة العادلة والناجعة للعالم.

وعلى هذا النحو، فإنَّ لائحة المشكلات أو التحدّيات مثلها مثل التفسيرات الشموليّة، تترك بشكل كامل، كلاهما يترك مسألة الرؤية والإستراتيجيّة كاملة: فإلى أين نذهب؟ وكيف نذهب؟

2. العولمة والإجماليّة الاقتصاديّة

لبناء رؤية جديدة، وأعلم كم يتطلب هذا من وقت، يتوجّب البدء بالتحلّي بالوضوح: ما هو الأمر الذي لا يقبل التراجع حقيقةً، وما هو الأمر الذي يقبل ذلك؟ ما هو الأمر الذي يدخل في عداد قانون للطبيعة، وما هو الذي يرجع إلى البناء الإنسانيّ حيث بالإمكان استبدال مكان بناء إنسانيّ بآخر؟

ما هو الأمر الذي لا يقبل التراجع وما هو الذي يقبل ذلك؟ هنا يكمن كلّ الفرق بين العولمة والإجماليّة الاقتصاديّة، وذلك بسبب عدم استقرار المصطلح، ولأنَّ اللغة الإنكليزيّة تجمع تحت تسمية «Globalisation» ظواهر ذات مدلولات مختلفة تلتبس على الأذهان.

العولمة التي لا عودة عنها

بالنّسبة إليّ يدخل في منظور العولمة كلّ ما يوصّف الترابطات المتبادلة بين المجتمعات من جهة، وبين الإنسانيّة والمحيط الحيويّ من أخرى. هذه الترابطات، أعتقد أنَّها أصبحت لا عودة عنها. إنَّ الإنسانيّة كلّها تسهم في العلاقات مع البيئة الحيويّة اللهمّ إلّا إذا حدثت كارثة عظمى ينجم عنها تقلص فجائي وهائل في عدد سكّان الكرة الأرضيّة. وإن لم يكن ذلك بالمعنى السياسيّ والاجتماعيّ فأقلّه بالمعنى البيئيّ ما دام الكوكب الأرضيّ قد أصبح فعليّاً قرية، بمعنى أنَّ الكلمة الطيّبة للتضامن قبل أن يكون لها معنى أخلاقيّ فإنَّ لها معنى مادّياّ هو عبارة عن مجموعة ترتبط كلّ مكوّناتها الواحدة بالأخرى. وهذا ما حدا بي في كتابي تفتّت الديمقراطيّة إلى التأكيد، في ما يتعلّق بمفهوم الحوكمة، أنَّ العالم هو الآن، وبشكل لا رجعة عنه، فضاؤنا العائلي. وما القارات والبلدان والأراضي إلّا تقسيمات لهذا الفضاء العائلي. كما أنّي أعتقد أنَّه لا عودة عن تطوّر الأنظمة التقنيّة، وبخاصّة تطوّر تكنولوجيات الإعلام والاتصال: مهما كانت الحواجز السياسيّة التي تهدف إلى إعاقة تبادل الأخبار والصور فإنَّها قادرة على الانتقال في كلّ حين من منطقة إلى أخرى في وقت زهيد عمليّاً حاملة على أجنحتها الأفكار والأرقام على السواء. هذا بالنّسبة إلى اللاعودة.

الصفحات