أنت هنا

قراءة كتاب بيت العدل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بيت العدل

بيت العدل

يناقش الكتاب مشكلة العنوسة من منظور شخصى لكاتبته و هى سيرة ذاتية لها وتعتبرها الكاتبة أنها لا تخصها فقط  بل تخص مجتمع بأسره .. ذلك المجتمع الذى ولد بعد هزيمة 67 ..

تقييمك:
3
Average: 3 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: إيناس عامر
الصفحة رقم: 3

أطفال المفاتيح

أتذكر أننى كنت فى الصف الثالث أو الرابع الإبتدائى حين كنت أطالع تقرير صحفى منشور بجريدة الأخبار بعنوان ( أطفال المفاتيح ) فى صفحة كاملة .. كانت هى المرة الأولى التى أقرأ فيها موضوعا بهذا الحجم .. العنوان جذبنى .. لمسنى .. شعرت أنى مقصودة به .. فمنذ أن كنت فى الصف الثانى الإبتدائى حين خرجت أمى للعمل ، وأنا أعود من المدرسة لأنتظر أمى عند خالتى التى كانت تقطن فى الطابق الأسفل من الطابق الذى نسكنه ، ولكن ما لبثت خالتى وأسرتها أن سافروا إلى الخليج .. حتى باتت هناك مشكلة وهى إلى أين أعود حتى ترجع والدتى من العمل .. فكان بيت الجيران بديلا وذلك حينما كانت هناك تلك القربى والحميمية بين الجيران .. لكننى ضقت بهذا الحال فكنت أحيانا انتظر على السلم .. إلى أن قرر أبى وأمى أننى كبرت وأستطيع أن أتحمل مسؤلية ( مفتاح ) .. أتذكر كيف أخذت أول دورة تدريبية لى تعلمت فيها كيف أفتح الباب بالمفتاح دون أن ينكسر و كيف أغلقه أيضا .. والأهم كيف أخرج المفتاح وأضعه سريعا فى " الشنطة " حتى لا يضيع أو أنساه فى أى مكان .. منذ ذلك الحين أصبحت طفلة من " أطفال المفاتيح " حينها وبعد إتمام قراءتى لهذا الموضوع .. لم أسعد أن إسمى ورد ذكره فى " الجورنال " .. عفوا .. أقصد الفئة التى أصبحت أنتمى إليها .. أو أجد إرتياح لأن هناك من يشاركوننى تلك الصفة وتلك الظروف .. إو حتى لأننى وجدت من يتكلم نيابة عنى ويعطينى حيزا من الوجود فى هذا المجتمع و لكن كل الذى أذكره أننى ظللت اليوم كله مكتئبة وحزينة .. بل و أتالم لمثل من هم فى ظروفى وممن يشاركوننى هذه الصفة لم يكن الحزن والإكتئاب لأن الصفة رديئة أو إنى تصورته ذما أو تندرا أو حتى إحساس بالشفقة .. ولكن لأن هذا التقرير الصحفى قد مس " وجع " أشعر به منذ كنت بالصف الثانى الإبتدائى ولم أستطع أن أتحسسه ولا حتى أعرف مكانه .. فإذا بى حينما قرأت
هذا التقرير .. أتحسسه لأول مرة .. أعرف أن كلمة " وجع " ربما تكون كبيرة على مثل هذا الموقف ولكن ربما لأننا بنتان فقط لأب وأم كرسا حياتهما لإبنتيهما وحاولا قدر إمكانهما أن يجنبانا أى لحظة من لحظات الألم .. فنشأنا مرهفتى الحس إلى حد كبير .. مما جعلنى أستشعر عند قراءتى للموضوع تلك اللحظة التى أضع فيها المفتاح فى " كالون " الباب ليلف دورتين فينفتح الباب الذى يقودنى إلى فراغ أفتقد فيه حضن أمى وضمتها ويظل هذا الوجع يلح على حتى بعد أن تعود أمى لاهثة .. تتجه إلى المطبخ مباشرة لتجهز لنا الطعام .. حينها تتذكرنى فتسأل إن كنت قد أكلت " الساندوتشات " التى تعدها لنا حين تصحو من الفجر .. قبل أن تخرج لعملها .. وياللكارثة إن صارحتها بأننى أكلت هذه " الساندوتشات " حينما عدت إلى المنزل ربما كنت أفعل ذلك كى تملأ تلك الساندوتشات فراغا كبيرا يحيط بى فى كل مكان من البيت الهادئ الصامت البارد لم تكن فى تلك الأيام قد ظهرت كل أنواع "الشيبسى " والمقرمشات والحلوى المختلفة التى تملأ الأسواق الآن .. اللهم إلا نوع واحد أو إثنين وهما " العسلية " و " الفشار " وكثيرا أيضا ما حذرتنا أمى من هذه " العسلية " التى لا تعرف مصدرها و كيفية صنعها .. إذن نبهنى هذا الموضوع الصحفى وأرشدنى إلى مكان هذا الوجع .. يومها أخذت قرارا ظل حبيسا بداخلى حتى أخذت الثانوية العامة ودخلت الجامعة حينها أطلقت هذا القرار لينطلق فى فضاء رحب .. كان هذا القرار هو : إننى لن أعمل وإننى أنتظر اليوم الذى أتخرج فيه لأتزوج وأبقى فى المنزل .. أى أكون " ست بيت " وما العيب فى ذلك .. نعم.. فقد كنت دائما ما أخجل أن أقول ذلك فى مجتمع جديد أصبح يقدر عمل المرأة و تعليمها .. ولكنى كنت كثيرا إذا سُئلت وأنا طفلة عن المهنة التى أحب أن أمتهنها حينما أكبر .. أرفض تماما فكرة أن أكون دكتورة أو مهندسة كما كان الأطفال يرددون دائما وإنما كنت أقول لا أعرف أو أكتفى بالصمت .. لأنى كنت فى الواقع أتمنى أن أصبح " ست بيت " لم يكن الزواج بحد ذاته هو الحلم .. لكنه كان البيت .. فقد ظلت صورة البيت الهادئ الدافئ الذى تطرزه إمرأة بألوان شتى من الفنون والزخارف ، وتتطاير فى أنحاءه نغمات شتى لأغنيات جميلة أو موسيقى هادئة .. أصوات تنادى بعضها بعضا فى عز الظهر وليس فى المساء مثلما نجلس أمام مسلسل الساعة السابعة ونتابعه بشغف ونحن صامتون .. نعم صامتون لكن أنفاسنا تتردد بجانبنا فنشعر أننا معا.. لكننا أيضا نفتقد بجانبنا " نفس " أمى التى كانت أنفاسها تتردد فى حجرة أخرى لأتها كانت تغط فى نوم عميق يتيح لها الراحة من يوم عمل شاق وكذلك يتيح لها يوم عمل جديد سيبدأ فى الغد ظل هذا الحلم يراودنى .. " بيت " نعم " بيت" أريده أنيقا نظيفا مهندما .. ليس الزوج بالطبع لكنه " البيت " أركانه هادئة منمقة وقطع أثاثه بسيطة وقليلة فأنا لا أحب أبدا زحمة الأثاث فى مكان واحد .. بيت مرصع بفنون من صنع يداى .. وبه كنبة أو ربما كرسى كبير أجلس عليه بإشتياق أرمى عليه كل همومى .. أجلس عليه وكأننى أجلس على عرشى مستمتعة بكل تفاصيل حياتى اليومية .. مستمتعة بكونى إمرأة أتذكرنى فأجدنى حينها فى المرآة أبتسم إلىّ.. وأعود إلى عرشى من جديد أتمتم بالحمد لله على هذا الرضا وصفاء النفس .. إذن أنا قاب قوسين او أدنى من هذا الحلم أنتظره بفارغ الصبر .. أشتاقه فى كل لحظة .. لكننى وانا آخذة فى الحلم بذلك البيت نسيت تماما أن أضع تصورات واضحة لذلك الفارس الذى تنتظره كل الفتيات يأتيها على حصانه الأبيض .. نسيت تماما أن أتخيل ذلك الفارس الذى سيقدم لى هذا البيت .. كانت أول صدمة أو لنقل إفاقة أفقت عليها من ذلك الحلم حين طرق باب بيتنا أول عريس لى .. كان ذلك يوم زواج أختى لم يكن يريدنى أنا تحديدا بل كان مرشحا من قبل أحد الأقارب .. ربما يكون ذلك هو السبب فى أنى رفضته فأنا لا أعرف حتى الآن لماذا رفضت برغم حلمى الغالى المستمر معى .. ربما وهذا هو السبب الأرجح ان الفتاة لا تسعد كثيرا إذا كان أول الطارقين على بابهم هو نفسه زوج المستقبل فكم يسعد الفتاة ويشبع نهم الثرثرة والتفاخر عند أمها أن يقال " ياما جالها عرسان ورفضتهم " غير أن أمى فى الحقيقة التى كانت تضع يدها على قلبها لأن زواج أختى أتى على الأخضر واليابس من مدخرات الأسرة البسيطة .. فلم تلح على كثيرا فى أن أقبل ذلك العريس برغم إننى لم أكن صغيرة وقتها فقد كنت فى السنة النهائية بالجامعة أى قبل تخرجى ببضعة شهور ، لكننى رأيت وقتها أنه يجب على الإنتظار .. كان ذلك فى نهاية الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضى
وبدأت رحلة الإنتظار .........

الصفحات