أنت هنا

قراءة كتاب العقد الاجتماعي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العقد الاجتماعي

العقد الاجتماعي

كتاب "العقد الاجتماعي" للفيلسوف والمفكر السويسري جان جاك روسو، والذي ترجمه للعربية الكاتب والباحث والمفكر العربي عادل زعيتر؛ ويقول زعيتر في مقدمة كتابه المترجم:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 8

الفصل الثالث

حقّ الأقوى

لا يكون الأقوى قويًّا بما فيه الكفاية، مطلقًا، حتّى يكون سيّدًا دائمًا، ما لم يُحوِّل قوّته إلى حقّ وطاعته إلى واجب، ومن ثًم كان حقّ الأقوى، هذا الحقّ الذي يتلقّى بسخرية ظاهرًا والذي يوضع كمبدأ حقيقة، ولكن أليس علينا أن نوضح هذه الكلمة؟ إن القوّة طاقة فزيوية، ولا أرى أيّ أدب يمكن أن ينشأ عن معلولاتها، والإذعان للقوّة هو عمل ضرورة، لا عمل إرادة، وهو أثر حَذَرٍ غالبًا، وما المعنى الذي يُحمَل به هذا على الواجب؟
ولنفترض هذا الحقّ المزعوم هنيهة، فأقول إنّه لا ينشأ عنه غير هراء يتعذّر تفسيره، وذلك إذا كانت القوّة هي التي تصنع الحقّ، فإنّ المعلول يتغيّر بتغيُّر العلّة، وتخلّف الأولى في حقّها كلّ قوّة تقهرها، ومتى أمكن العصيان بلا عقاب صار العصيان شرعيًّا، وبما أنّ الحقّ يكون بجانب الأقوى دائمًا فإنّ الأمر الوحيد الذي يُهِمّ هو أنّ يُسارَ بما يُصار به الأقوى، ولكن ما الحقّ الذي يزول بانقطاع القوّة؟ وإذا ما لزمت الطاعة قهرًا لم تكن هنالك ضرورة إليها عن واجب، وإذا عدنا غير مكرهين على الطاعة عدنا غير محمولين عليها، ولذا ترى أنّ كلمة «الحق» هذه لا تضيف إلى القوّة شيئًا. ولذا فهي لا معنى لها هنا أبدًا.
وأطيعوا السلطات، فإذا كان معنى هذا: أذعنوا للقوّة، فالمبدأ صالح، ولكنّه هادر، أجبتُ بأنّه لا يُنقَضُ مطلقًا، وأعترف بأنّ كلّ سلطان يأتي من الربّ، غير أنّ كلّ مرض يأتي منه أيضًا، وهل يُقصَد بهذا حظر دعوة الطبيب؟ وإذا ما فاجأني قاطع طريق في زاوية من غابة وجب عليّ أن أعطي كيسي قسرًا، ولكن هل أكون ملزمًا وجدانًا بأن أعطيَه إيّاه إذا كنت قادرًا على منعه منه؟ وذلك لأنّ السلاح الذي يحمله هو سلطة أيضًا.
ولنعترف، إذن، بأنّ القوّة لا تخلق الحقّ، وبأنّنا غير ملزمين بغير الطاعة للسلطات الشرعية، وهكذا فإنّ مسألتي الأولى ترجع دائمًا.

الفصل الرابع

العبودية

بما أنّه ليس لإنسان سلطان طبيعي على مثله، وبما أنّ القوّة لا توجب أيّ حقّ، فإنّ العهود تظلّ أساسًا لكلّ سلطان شرعي بين الناس.
ومن قول غروسيوس أنّ الفرد إذا كان يستطيع بيع حريّته فيصبح عبد سيدٍ فلماذا لا يستطيع شعب أن يبيع حريّته ويصبح تابعًا لملك؟ توجد كلمات كثيرة مبهمة في ذلك تحتاج إلى إيضاح، ولكن لنقف عند كلمة «البيع»، فالبيع هو الشِّرى أو المنح، والواقع أنّ الإنسان الذي يجعل نفسه عبد آخرٍ لا يمنح نفسه، وإنّما يبيع نفسه نَيْلًا لمعاشه، ولكن لِمَ يبيع شعب نفسه؟ إنّ من المستبعد أن يجهِّز الملك رعاياه بمعاشهم مع أنّه ينال معاشه منهم، ولا يقنع الملك بالقليل كما يرى رابْلِه، والرعايا يمنحون أشخاصهم، إذن، على أن يأخذ الملك أموالهم أيضًا، ولا أرى ما يَبقَى لهم للحِفظ.
وقد يقال إنّ المستبدّ يضمن السكون المدني لرعاياه، وليكن ذلك، ولكن ما يكسبون من ذلك إذا كانوا يُكدَّرون بالحروب التي يسوقهم إليها طموحه وبطمعه الذي لا يشبع وبمظالم عمّاله أكثر ممّا بتفرُّقهم؟ وما يكسبون من ذلك إذا كان هذا السكون من بؤسهم؟ وقد تُقضى حياة سكون في السجون المظلمة أيضًا، ولكن أيكفي هذا لجعلها أمّاكن طيّبة للعيش فيها؟ وكان الأغارقة الذين حُبِسُوا في غار سكلوب يعيشون ساكنين، ولكن مع انتظارهم أن يُفترَسوا بدورهم.
والقول إنّ الإنسان يعطي نفسه متبرعًا محالٌ لا يمكن تصوّره، وعقد مثل هذا باطل غير شرعي، ولا يصدر هذا العقد عن رشيد، وقول ذلك عن شعب يفترِض جنونَ هذا الشعب، والجنون لا يوجد حقًّا.

الصفحات