قراءة كتاب بوركيني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بوركيني

بوركيني

هل الحجاب هو تحد أم انقياد؟ كيف يمكن لامرأة محجبة أن تنظر إلى جسدها؟ كيف ترى الجسد الآخر؟ كيف تتعاطى مع مجتمع منفتح تعيش فيه؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 4

الهاتف يرنّ بدون توقف...
رنين الهاتف يقطع حبل أفكاري ويُعيدني إلى وجهي الذي لا يُشبه وجهي البتّة. أنـزع المنديل عن رأسي، فيعود وجهي إلى طبيعته. أفكّر. هل أخرج هكذا؟ هل أفعلها؟ عجيب كيف تُراودني أفكار خطيرة إلى هذا الحدّ في مثل هذا الوقت الضيّق؟
أفكّر... تُرى ماذا سيقولون عنّي؟ أهلي سيفرحون طبعاً. هم طالما حاولوا إقناعي بالعدول عن هذه الخطوة التي جعلتني أبدو غريبة عنهم. وأنا كنت غالباً ما أجيبهم: "الحجاب الذي لم أضعه لأجل أحد، لن أخلعه من أجل أحد".
أبـي الذي كان أكثر ما يُحبّ فيّ شعري، لم يتقبّل فكرة أن أغطّيه وأن أحجب أنوثتي وأنـزع منه لقب "أبو البنات الجميلات".
لكنّ عنادي جعلهم يستسلمون جميعاً لرغبتي. فجاءت الموافقة على مضض. لم أسمع يوماً عبارة يعتاد الناس قولها للمحجبّة حديثاً: "مبروك الحجاب". بل كلّ من حولي كان مُندهشاً من فعل لا يليق بفتاة مثلي. وأنا لم أقتنع يوماً بهذه الأحكام المسبقة، لم أكن أعرف لماذا يُصنّفون الحجاب على أنّه كود اجتماعي يشير إلى فئة من البسطاء والجهلاء والرجعيين. "أنت شابة تعيشين وسط هذا العالم، فلماذا تختارين الهامش مكاناً لك؟". لم يتمكنّوا من أن يروا في ذاك الزيّ المحتشم أكثر من هامش، أكثر من ظلّ حياة.
وكنت إذا ذهبت إلى مكانٍ ما أشعر بقلّة اهتمام الناس بـي، كأنني دخيلة على عالمهم، أو بالأحرى عالمهن. ولكن ما إن أنطق جملة بالفرنسية وبطلاقة حتى تتغيّر النظرة إليّ. كأنّ الإنسان في هذا العالم لا يكتسب قيمته إلاّ عندما يتشبّه بالآخر، في كلامه وسلوكه وملابسه.
أمّا هو، فقد تعرّف إليّ بهذه الهيئة. تُرى كيف سيكون ردّ فعله إن نـزلت الآن من دون حجابـي؟ هل ستكون صدمة له أم مفاجأة جميلة؟ لا أعرف. هل أترك بيتي بشعري الناعم المـُفرد بعد خمس سنوات من حجبه لسبب لا أعرفه، أم أنني أضع المنديل الكحلي المزدان بالورود؟ هل أخرج بين الناس بالجسد المتخفّف من ثقل ملابسه أم أُبقي على احتشامي؟ هل أظهر بوجهي الموديلياني الرقيق أم بوجهي الشاحب والمـُقفل؟ لا أدري. أنا فعلاً ضائعة.
كنت أعرف أنّ هذه اللحظة ستاتي يوماً ما، وإنما ليس الآن. قبل أسبوع واحد من المعرض ! ...
أضع المنديل على رأسي وأنـزعه، ثمّ أضعه وأنـزعه. أراقب قسمات وجهي السريعة في المرآة. إنها تتبدّل، بل تصل إلى حدّ التناقض في أقلّ من ثانية. من المرح إلى الحزم، من البراءة إلى الجديّة، من الجاذبية إلى اللاتعبير... أضع الحجاب وأنـزعه على صوت رنين الهاتف، لكنني أقرّر أخيراً ألاّ أخلعه.
لن أكرّر الحركة ذاتها حتى بزوغ فجر يوم جديد. إنّه ينتظرني، وعليّ أن أغادر الآن. لن أبدأ دورة حياة جديدة في لحظة توتّر كهذه ! سوف أخرج به !
أُبقي المنديل على رأسي. أقفل باب الغرفة ورائي، وأخرج من المنـزل. أخرج، كما كلّ يوم...

الصفحات