أنت هنا

قراءة كتاب شعبة الزيتون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
شعبة الزيتون

شعبة الزيتون

كتاب " شعبة الزيتون " ، تأليف أبو العباس برحايل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

الفصل الأول

إيه يا علجية المسكينة!..
أنت بائسة، يائسة، لا أمل..
أنت مريضة بالقلب مرضاً مزمناً.. لا مجال للغيرة، لست كفؤة للصراع.. ميزان القوى مختل اختلالاً فاحشاً لغير صالحك.. كيف تسوّل لك نفسك أن تقتحمي المعركة الضروس مع زهية؟ صحيح، أنت تمثلين الشرعية، لكن، هل للشرعية من معنى إذا لم تكن ثمّة قوة تعضدها، وخيل تصهل، وركاب مهيَّأ، وقوس مشدودة، وناب مكشرة؟.. قوة تحمي ذمارها، وتصون حياضها، وتفرض هيبتها واحترامها..
ضاع منك زوجك علاوة، أو هو على وشك الضياع..
زهية هي الشباب، هي الجمال، هي الصحة الموفورة، هي السعادة والحبور، وهي المستقبل الواعد الباسم. أما أنت، فما أنت؟.. أنت شبح ثقيل، مجرد شبح يخلق بالمرء أن يتخلص منه. أنت لا شيء في خاتمة الأمر. كيف تسوّل لك نفسك المريضة أن تقولي لعلاوة، لا؟.. أن تنهريه.. حذار..!! حذار!.. إن فعلت كانت الساعة.. كانت اللحظة التي يتخلى فيها عنك صراحة وعنوة.
لاحظت ذلك من أول يوم تطأ فيه قدماك بيت هذه الأسرة. قال لك علاوة يومئذ:
ــــــ لا، دار عمتي زهور لا تضيق بنا.. شقة فاخرة واسعة في عمارة بهية، في حي راق بالقبة، أشبه بقصر أحاطت به حديقة مكتظة بالأشجار، ونباتات الزينة المخضرة المزهرة طوال السنة في ربيع ممتد.. أشجار الليمون والبرتقال محملة بثمارها الذهبية الياقوتية اليانعة..
هكذا قال مزهواً، وكذلك كان. لم تكوني تعرفين زهية ابنة عمته زهور معرفة صحيحة، فتاتها المدللة الوحيدة اللعوب، كانت صغيرة في نحو الثانية عشرة يوم أن بنى بك علاوة، ولم تكن تثير أحداً يومئذ، فضلاً عن أن تثير الشكوك، كما هو شأنها الآن، أو أن تسيل لعاب علاوة كما تسيله الآن وبغزارة مفرطة. لكن السنوات الخمس التي انسحبت عن ذلك اليوم الشهيد شكلت منها مخلوقاً آخر، وصقلت منها تمثالاً للفتنة والإغراء، كيف تتصدين أنت أيتها التعيسة المحرومة من كل شيء لهذا الأفعوان المارد، الذي خرج تواً من فروة الطفولة وغلالتها الناعمة الطلية المسرفة في الطلاوة والحلاوة، تلك هي البشائر الكامنة في رحم اليوم الأول من ربيع الحياة المشرق الزاهر.
أما أنت، فلست إلّا الخريف المتغضن الغصن، والجذع، والجذر قبل الأوان والإبان..
أنت الشمس المصفرة العابسة الآفلة في صباحها.. والبرعم الذي انكمش قبل أن يتفتح.. وطّني النفس إذن على ما رأيت، وعلى ما ترين، وعلى ما قد ترين، وأغمضي الجفن كما لو كان كليلاً، وكفكفي كل دمعة إن هي تحدرت، أو عبرة إن هي ترشحت.. لا تنسي أنك أفلست الإفلاس كله، حين عجزت على أن تربطي علاوة إليك بذلك الرباط المقدس الذي تَهَب له كل امرأة ارتبطت بزوج سائر اهتمامها.. تتبرج.. تتجند.. تهبّ في معركة صامتة ــــــ لكنها ضارية ــــــ كاشفة عن كل ما حبتها به الطبيعة من حيوية، وعنفوان، وفتنة، لبلوغ الهدف المقدس المنشود الخالد؛ أن تصنع طفلاً. أن تنجب وليداً جميلاً كالملاك، وتهديه إلى فراش الزوجية الحبيب، فيزدان الفراش الوثير به ويخصب، وتلتحم العلاقة الزوجية، وتكسب الزوجة قضيتها بالبرهان الدامغ، وتمتلك الزوج المبتهج امتلاك الودود الولود، وتقوده من أرنبة أنفه في يسر إلى حيث تشاء وتريد، وهو لا يعلم عن سر ذلك شيئاً.
أنت يا علجية المنكودة الحظ، المهدورة الحق في امتلاك هذا السلاح الفتاك، سرقت منك هذه الفرصة، وصودر من حوزتك هذا الامتياز الفريد. حاولت مرتين، لكن الأقدار الغاشمة قالت كلمتها الفاصلة إلى الأبد. ونجوت أنت من الموت المحقق ــــــ ويا ليتك مت وانتهى هذا العذاب الفظيع ــــــ عندما تم إجهاضك وانفصالك المأساوي عن جنينك الثاني، وأصدر الأطباء حكمهم المدمر الغاشم:
".. أي حمل لك مستقبلاً يكون فيه هلاكك المحتوم..".

الصفحات